[الإنشغال الدائم]
قد توحي لنا الكلمات التي ذُكرت هنا عن مرثا، أنها كانت أكثر إنشغالاً من مريم، وبالنظرة الطبيعية وللوَهلة الأولى ربما نعتقد ذلك فعلاً، وربما نعتقد أن مريم كانت تعاني من بعض الفراغ، فأتت لتتكلم مع السَيِّد، أو إن أكثرنا تفاؤلاً نقول إن كلتيهما كانتا مشغولتين.
لكن ببعض التأمل والتفكير في هذا المشهد، نكتشف أمرًا آخر غير كل هذا؛ نكتشف أن مرثا هي التي كانت تعاني من فراغ داخلي.
قد تكون مشغولة أمام الناس وفي الظاهر، لكن في الواقع كانت تعاني من فراغ شديد.
والدليل على ذلك نعلمه جميعًا، فالشخص المشغول لا يجد وقتًا لملاحظة الآخرين، أو مقارنة نفسه بهم، أو إنتقاد سلوكهم، وسَرد عيوبهم.
الشخص المشغول تجده مأخوذًا عن كل ما يحدث حوله، تجد كل تركيزه فيما يفعله دون النظر لأي شخص آخر، أو الإنشغال بأي أمرٍ آخر.
فإذا طبَّقنا هذا الأمر على الأختين سنكتشف الحقيقة؛ أن مريم كانت مشغولة جدًا، بينما مرثا كانت غير ذلك تمامًا.
كانت مريم صامتة لأنها مشغولة، بينما مرثا تتكلم كثيرًا لأنها ليست مشغولة.
كانت مريم تنظر للرب الذي شغل فكرها وقلبها، بينما مرثا تنظر لأختها لأنها لا تجد ما يشغلها.
لم تلاحظ مريم ما تفعله مرثا لأنها كانت مشغولة، بينما كانت مرثا تلاحظ وتنتقد وتُقارن بينها وبين مريم لأنها لم تكن مشغولة.
مرثا أثبتت لنا أن هناك مَنْ يظهر أمام الناس أنه مشغول جدًا في الخدمة، وليس لديه وقت على الإطلاق، بينما هو فارغ جدًا من الداخل، ولا يشغله إلا مراقبة الآخرين وإنتقادهم، والتعليق على تصرفاتهم ومقارنة نفسه بهم.
بينما مريم أثبتت لنا أن هناك مَنْ لا يفعلون أمورًا ظاهرية عظيمة، بينما هم فعليًا مشغولون جدًا، وليس لديهم وقت للتفكير في شيء سوى في معبود القلب الوحيد.
فلنتحذر من أن نسقط في فخ المشغولية الزائفة، حيث نستمتع جدًا بملء مواعيدنا بخدمات متنوعة، ونتباهى بكثرة المشغولية.
بينما لو راجعنا أنفسنا نكتشف أننا نعاني من فراغ روحي عميق داخلنا، ونعاني من مرارة الغيرة وإنتقاد الآخرين، ومقارنة أنفسنا بهم.
عزيزي القارئ :
بقليل من التفكير والمكوث في حضرة الله، تنجلي وتتضح أمامنا حقائق كثيرة غائبة عنا، ويسطع أمامنا الحق الكتابي، ويُصبح منيرًا لنا جدًا.
(منقول)
تعليقات
إرسال تعليق
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}