تأمّل اليوم : /الصوم في المسيحية/



[مع الذات]

للصوم وجهان جسدي وروحي.

فالوجه الجسدي للصوم هو أن يُعرض الإنسان ذاته عن العواطف المنحرفة ويكبح الرذائل ولا سيما كبرياءه ويُمكّنه من التسلط على غرائزه من حرية القلب ومغريات العالم فيتجدد روحاً ونفساً ويتعلق قلبه بالله.

لذا فالصوم لا يقوم على الفم فحسب، وإنما العين والأذن والقدمين واليدين وكل أعضاء الجسم، ولا يقوم على التبدل الذي طرأ على طعامنا فقط بل على قلبنا.

فمن يستطيع أن يسيطر على الأشياء المسموحة يستطيع أن يسيطر على الأشياء الممنوعة.

فالصوم يتطلب إذًا جهد يقوم بقهر الإنسان لذاته، بغية التقرب من الله ومن البشر، إذ أن :

”الرُّوحُ مُندَفع وأَمَّا الجَسدُ فضَعيف”
(متى ٢٦: ٤١).



أما الوجه الروحي للصوم فهو الإمتناع عن الخطيئة، هو موقف القلب، القلب المتواضع التائب، الرحيم، الشفيق، الذي يسعى لتجديد علاقته مع الله.

كما يقول يوئيل النبي :

”مَزِّقوا قُلوَبَكم لا ثِيابَكم وأرجِعوا إِلى الرَّبِّ إِلهكم فإِنَّه حَنونٌ رَحيم طَويلُ الأَناة كَثيرُ الرَّحمَة ونادِمٌ على الشَّرّ”
(يوئيل ٢: ١٣).

الصوم هو عدم تفكير الإنسان بالشر في قلبه.

(زكريا ٧: ٤-١٠)، هذا القلب المجروح بالخطيئة الميّال إلى الشر والأنانية.

(مز ٥١) فهو زمن التوبة والعودة إلى الذات بالتقشّف، وفقاً لأول كلمة تفوّه بها يسوع بعد صومه الأربعيني :

”فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة”
(مرقس ١: ١٥).

والتوبة باللفظة اليوناينة (متانويا) μετανοια تعني تغيير العقلية، وباللفظة العبرية (شوف) שוב تعني الرجوع، إنها تهدف إلى مراجعة الذات، إلى التجديد والتغيير والتطوير في الشعور والحكم والحياة، إلى هجر الإنسان العتيق ولبس الجديد، إلى الإنتقال من الحياة القديمة والعودة إلى الشباب المتجدد.

(منقول)

تعليقات