[ قيامة المسيح ]
على ضوء عظة القديس البابا يوحنا بولس الثاني
في كنيسة القيامة
نجد في عظته في كنيسة القيامة عِبَراً لحياتنا على صعيدين الإيمان والعمل :
١. صعيد الإيمان
شهادة القبر الفارغ :
يشير القديس كيرلس، بطريرك القدس، إلى الأماكن المقدسة كشواهد وبينات دائمة لسر المسيح.
أنظروا إلى جبل الجلجلة القائم : إنه يشهد أمام عيون الجميع، وقبر (القداسة)، الحجر الماثل في المكان حتى أيامنا، يشهد أيضا للمسيح وموته وقيامته.
إنه صلب ونحن لا ننكر ذلك، إنما نثبّته بإعتزاز.
وإذا حاولت أن أنكره، فإن الجلجلة التي بقربنا جميعاً تدحضني.
وفي عظته في القيامة يقول القديس البابا يوحنا بولس الثاني :
"القبر الفارغ يشهد على قيامة يسوع المسيح وعلى إنتصار الحياة على الموت".
فالقيامة، في كونها حدثاً تاريخياً ملموساً بعلامة القبر الخالي، وبحقيقية اللقاءات الرسل والمسيح القائم من الموت، هي في قلب سر الإيمان كونها تسمو على التاريخ وتفوقه.
وهي حدث مركزي في تاريخ خلاص الإنسانية.
تحقيق نبوءة القيامة :
يؤكد قداسته أن في كنيسة القيامة تمّت نبوءة المسيح عن قيامته التي وردت في أنجيل يوحنا كي نؤمن به :
"انقضوا هذا الهيكل (إنه كان يعني هيكل جسده). وأنا أقيمه بعد ثلاثة أيام".
(يو ٢ :١٨-٢٠).
ثم يضيف يوحنا الإنجيلي: أن التلاميذ تذكروا هذا الكلام بعد قيامة يسوع من بين الأموات، فآمنوا (يو ٢٢:٢).
شهادة الكتاب المقدّس :
كتب القديس بولس رسالته إلى أهل رومة نحو سنة ٥٧م يعلن فيها قيامة المسيح :
"نَعلَمُ أَنَّ المسيح، بَعدَما أُقيمَ مِن بَينِ الأَموات، لن يَموتَ بعدَ ذلِك ولن يَكونَ لِلمَوتِ علَيه مِن سُلطان"
(روم ٦: ٩).
شهادة الليتورجيا :
تترنم نصوص الليتورجيا في نشيد الفصح :
"الموت والحياة في صراع عجيب، رب الحياة مات وهو حي مالك إلى الأبد".
أجل يقول قداسته :
"مات رب الحياة، وهو الآن يملك بعد أن إنتصر على الموت، وهو مصدر الحياة الأبدية لكل من يؤمن؟".
شهادة الكنيسة :
يعلن قداسته إيمانه بالقيامة قائِلاً :
"نشهد نحن أيضاً مع الرسل والإنجيليين، ومع الكنيسة في كل مكان وزمان، ما جاء في قانون إيمان الرسل :
"أومن بيسوع المسيح الذي تألم في عهد بيلاطس البنطي، وصلب ومات ودفن وفي اليوم الثالث قام من بين الأموات"."
برهان قيامتنا :
إن كنيسة القيامة تشير إلى قيامتنا فيقول قداسته :
"إن قيامة ربنا يسوع المسيح هي آية تدل على أن الآب الأزلي قادر على أن يخرج من الموت حياة جديدة: وهي "قيامة الجسد والحياة الأبدية".
الرب القائم، المشع بمجد الروح هو رأس الكنيسة، وهي جسده السري. وبقيامته أصبح أبناء آدم كلهم، رجالا ونساء، مشاركين في حياته الإلهية (قول ١٢:٢؛ ١:٣)."
فكما أن المسيح قام ويحيا على الدوام، كذلك سنقوم كلنا في اليوم الأخير، (ت ١٠١٦) سنقوم على مثاله، ومعه وبه.
٢. صعيد العمل
القيام بصلاة تأملية :
لا نتردد في زيارة كنيسة القيامة والتأمل فيها على خطى قداسته الذي قال:
"في كنيسة القبر المقدس، يقول البابا أركع أمام المكان الذي دفن فيه: "وهذا هو المَكانُ الَّذي كانوا قد وضَعوه فيه" (مر ٦:١٦).
الصلاة التأملية "ليست في نظري سوى علاقة صداقة حميمة، يتحدث فيها الإنسان مع الله وحده، مع ذاك الإله الذي يعرف انه يحبّه"
(القديسة تريزيا يسوع، كتاب الحياة، ٨)."
تجديد الإيمان :
يحثنا قداسته بتجديد إيماننا بالقيامة قائلاً :
"هنا، أمام القبر والجلجلة، نجدّد إيمانَنا بالربِّ القائم من بين الأموات من خلال شهادة القبر الفارغ ونبوءة السيد المسيح وكلمة الإنجيل وشهادة الرسل والكنيسة وإعلان قانون الإيمان".
فقد ربط يسوع الإيمان بالقيامة بشخصه هو :
"القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا "
(يو ١١: ٢٥).
حمل الصليب :
إن كنيسة القيامة تشير إلى العلاقة الوثيقة بين سر الصليب والحياة.
فيُذكرنا قداستُه بوصية الرب من أراد أن يتبع المسيح القائم عليه أن يحمل صليبه فيقول "يتجلى هذا السر بوضوح في كنيسة القيامة التي تحوي القبر الفارغ، علامة القيامة، والجلجلة، حيث صلب يسوع المسيح.
فلا يمكن الفصل بين بشرى القيامة السارة وبين سر الصليب.
"فإِنَّنا نُبَشِّرُ بِمَسيحٍ مَصْلوب"
(١ قور ٢٣:١)""
"فهُو مسيح، قُدرَةُ اللّه وحِكمَةُ اللّه"
(١ قور ٢٤:١).
فيجب على كل من دُعي إلى إتباع المسيح أن يبحث عن الشركة في آلامه، فيصير على صورته في الموت، ليبلغ إلى القيامة من بين الأموات كما إختبر ذلك بولس الرسول في قوله :
"أَعرِفَ قُوَّةَ قِيامتِه والمُشارَكَةَ في آلامِه فأَتمثَّلَ بِه في مَوتِه، لَعَلي أَبلُغُ القِيامةَ مِن بَينِ الأَموات."
(فل ٨:٣-١١).
الشهادة لإنجيل القيامة :
يدعو قداسته أبناء الكنيسة للشهادة للقيامة:
"من هذا المكان، حيث شهد الرسل لأول مرة مجد القيامة، أدعو جميع أبناء الكنيسة أن يجددوا طاعتهم لوصية الرب: أن أعلنوا بشارة الإنجيل حتى أقاصي الأرض، وهي أن "اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ"
(يوحنا ١٦:٣).
"يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟"
(يو ٦٨:٦).
التحرر من الخوف :
يذكرنا قداسته بكلام يسوع الذي حرّرنا من الخوف فيقول :
"هنا، في كنيسة القيامة، بصورة خاصة وأكثر من أي مكان آخر في العالم، نسمع الرب يقول مرة أخرى لتلاميذه :
"ثِقوا إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم".
(يو ٣٣:١٦)."
ويذكرنا الله بألا نخاف بداية من سفر التكوين وحتى سفر الرؤيا :
"لا تَخَفْ فإِنِّي معَكَ"
(أش ٤١: ١٠).
التحدي لحضارة الموت :
إتّسمَ عالمُنا المعاصر بحضارة الموت بما فيه من العنف والقتل والمخدرات والحرب.
ويطالبنا قداسته بالتحدي لهذه الحضارة :
"إن قيامة يسوع المسيح هي الختم النهائي لجميع وعود الله (مع إبراهيم ثم موسى..) وبالتالي موقف تحدّي في "الاختيار بين الموت والحياة"
(تث ١٥:١٠)."
وهو الذي يحرر كل الخلائق من عبوديتها .
"ستُحَرَّرُ مِن عُبودِيَّةِ الفَسادِ لِتُشاركَ أَبناءَ اللهِ في حُرِّيَّتِهم ومَجْدِهم"
(روم ٨: ٢١).
إختيار حضارة الحياة :
كنيسة القيامة هي قلب الأراضي المقدسة، هذه الأرض المباركة حيث تمّت الأحداث الحاسمة لتاريخ الخلاص.
هنا ولد الفصح، ومع الفصح الأمل بإنسانية جديدة.
لذا يدعونا قداسته لإختيار حضارة الحياة .
"القيامة هي ولادة إنسانية جديدة بعُثّت من بين الأموات، وعربون تاريخ موسوم بالمواهب المشيحانية أي مواهب السلام والفرح الروحي والحياة".
العمل من أجل الوحدة والسلام :
كنيسة القيامة هي مكان الوحدة لا الإنقسام، قبول الآخر لا التفرقة، السلام لا النزاع بين المسيحيين.
وعليه يدعونا قداسته للعمل من أجل وحدة المسيحيين بقوله :
"هنا، مات الرب يسوع المسيح" لِيَجمَعَ أيضاً شَمْلَ أَبناءِ اللهِ المُشَتَّتين"
(يو ٥٢:١١ ).
فهل يجوز لنا أن نشكَّ بعد الآن في قدرة روح الحياة الذي سيُوهب لنا، والذي به سيمنحنا الله القوة للتغلب على إنقساماتنا، ويمنحنا النعمة لنعمل معاً لبناء مستقبل نحقق فيه المصالحة والوحدة والسلام؟
"ويؤكد مع القديس يوحنا الدمشقي أن كنيسة القيامة هي "أم الكنائس كلها".
أجل! إنها كاتدرائية بطريرك اللاتين وسائر الأساقفة رؤساء الأبرشيات الكاثوليكية الأخرى، وكاتدرائية بطريرك الروم الأرثوذكس، وبطريرك الأرمن الأرثوذكس، وممثلي الكنائس القبطية والسريانية...
العيش في ثقة وأمل :
القيامة هي نظرة أمل وثقة من خلالها يقول قداسته :
"يستطيع المسيحيون أن ينظروا إلى المستقبل واثقين كل الثقة بقدرة من قام من بين الأموات ليصنع كل شيء جديد (رؤيا ٥:٢١).
وبالقيامة فتح يسوع الطريق أمام إستراحة السبت العظيم، راحة اليوم الثامن، يوم القيامة.
وعندما تنتهي رحلة البشرية، يكون الله كلا في الكل
(١ قور ٢٨:١٥).
الإحتفال في ذبيحة الإفخارستيا :
علىينا أن نحتفل بقدر الإمكان في ذبيحة القداس في كنيسة القيامة للحصول على الحياة الأبدية فقال:
"أنا، خليفة القديس بطرس الضعيف، إذ نحتفل بذبيحة الإفخارستيا، هنا، في أقدس مكان في الأرض، أريد أن أكرر كلمات القديس بطرس الصياد ليسوع، إبن الله الحي :
"يا رب إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية هو عندك؟".
الإفخارستيا هي قلب الحقيقة الفصحية.
بها تقرّب الكنيسة إلى الآب، في الروح القدس، ذبيحة موت المسيح وقيامته.
ولا يسعني أخيراً إلاّ أنَّ اختتم تأملي في وصية قداسة البابا الأخيرة :
إن كلمات يسوع لتلاميذه :
"إسهروا لأنكم لا تعلمون أي يوم يأتي سيدكم"
تُذكّرني باللحظة التي يناديني فيها الربّ.
أريد أن أتّبعه وأود أن يُعدّني بكل ما يشكّل جزءاً من حياتي اليومية لتلك اللحظة، التي سأضع فيها نفسي بين يدي والدة ربّي :
"كلّي لكِ".
وأضع بين يديها الكنيسة وأمّتي والبشرية كلّها.
أوجّه شكري إلى الجميع وأطلب المغفرة من الكل.
وأطلب أن يُصلّى من أجلي.
وبعد وفاتي أُريد أن تُقام القداديس والصلوات من أجلي.
"في يديك يا رب أستودع روحي".
(منقول)
تعليقات
إرسال تعليق
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}