تأمّل اليوم : /الصداقة/



[ الصداقة ] 

إن العلاقات الإنسانية والإجتماعية بين البشر، نابعة من قلب الله لأنها توطد التواصل الفكري، وتمتّن الأحاسيس الرائعة بين الناس، والصداقة هي من أنبل الأمور المحفورة على صخرة العلاقات، حيث تستطيع أن تتخيلها كعلم كبير يرفرف فوق جبال المودة والتقارب والوفاء.

داود ويوناثان قدمّا لنا قصة مميزة ومثالا يحتذى به، عن الصداقة النقيّة والواضحة والمتأصلة بعنوان الوفاء حتى النهاية فَقَالَ يُونَاثَانُ لِدَاوُدَ:

«اذْهَبْ بِسَلاَمٍ لأَنَّنَا كِلَيْنَا قَدْ حَلَفْنَا بِاسْمِ الرَّبِّ قَائِلَيْنِ: الرَّبُّ يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ نَسْلِي وَنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ»."
١ صموئيل ٢٠: ٤٣.

ولكي تكون صداقتنا مع الآخرين مرتكزة على كلمة الله وعلى الحق الإلهي، هذا يجعلنا أمام مسؤولية حتمية مبنية على الأمور التالية :


١- تضحية كاملة :

يوناثان كان مستعدًا أن يقف إلى جانب صديقه داود حتى الرمق الأخير، فهو إبن شاول الملك الذي يملك كل شيء، لكنه لم يأبي لهذه الأمور حيث اعتبرها نفاية مقابل التمسك بمرساة الصداقة وطبّق هذا العنوان في ضميره وقلبه، وحينما مات يوناثان في المعركة وقف داود ناظرًا متألما على أخيه الذي كان مضحّيًا ومقدامًا، ثم خرجت من قلبه كلمات التأسف والحزن على من كان مثالاً للصديق المضحّي " قَدْ تَضَايَقْتُ عَلَيْكَ يَا أَخِي يُونَاثَانُ. كُنْتَ حُلْوًا لِي جِدًّا.

" مَحَبَّتُكَ لِي أَعْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ."
٢ صموئيل ١: ٢٦.


٢- وفاء عظيم :

وإذا تصفّحنا في رسائل العهد الجديد لا يسعنا إلا أن نذكر علاقة الصداقة الحقيقية بين بولس وتيموثاوس، حيث كان الوفاء سيفها الماضي والمودة ترسها الذي لا يقاوم، ولشدّة الثقة بين الرجلين مثّل تيموثاوس بولس في الكنائس في أكثر من مناسبة

"لأَنْ لَيْسَ لِي أَحَدٌ آخَرُ نَظِيرُ نَفْسِي يَهْتَمُّ بِأَحْوَالِكُمْ بِإِخْلاَصٍ،"
فيلبي ٢: ٢٠.

لم يخن أحد الآخر، فالوفاء العظيم ذوّب السلبية ودفع بالتقارب والمودة إلى المقدمة، فكانت الصداقة حاضرة من دون استئذان، وهذا النموذج يعلمّنا إياه الكتاب المقدس لأن الله هو أصل الوفاء في علاقته معنا، حيث بذل الأغلى لكي يسترجعنا إليه. فهو الصديق الألزق من أخ وأعظم من أب، هو عنوان الوفاء الذي لا ينتهي.


٣- محبة نقية :

الصداقة المحمولة برافعة المحبة تصل إلى أعلى المراتب في العلاقات الإيجابية، فالمحبة التي هي جوهرة صفات الله تخرق حصون الخيانة وعدم المودة، وتجابه متاريس الكذب وعدم الأمانة، لتزرع الصدق والحق والرحمة

"الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ، وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا."
١ كورنثوس ١٣: ٤-٨

عندما تتزّين الصداقة بعباءة المحبة النقية بين الأفراد تمحى العقبات، وعندما نبني صداقتنا على ضوء كلمة الله المميزة، تظهر براعم علاقات جديدة ثابتة على قانون سماوي نابع مباشرة من لدن الآب السماوي، هذه هي الصداقة التي لا تقدّر بثمن.

(منقول)

تعليقات