تأمّل اليوم : /هوشعنا مبارك الآتي بإسم الرب/



[ هوشعنا مبارك الآتي بإسم الرب ] 


أحد الشعانين هو مدخل أسبوع الآلام الّذي يبدأ بفرح (الشعانين) وينتهي بفرح (القيامة).

“هوشعنا” (خلصنا)، مباركٌ الآتي بإسم الربّ ملك إسرائيل”؛ هذه هي الصرخة التي ستملأ أجواء هذا اليوم والتي سمعناها في الإنجيل.

مثلُها كلماتُ بولس الرسول :

“افرحوا يا أخوة وأيضاً أقول افرحوا… وإله السلام يكون معكم”. هذا هو الملك الآتي، إنّه ملك إسرائيل، ملك السلام، “ملكيصادق” أي ملك البرّ

ما أجمل طقوسنا التي تضع هذه الكلمات في حيّز حياتنا.

بعد قليلٍ ندور بالسعف وندخل الكنيسة معبّرين عن دخول المسيح لأورشليم، ونصرخ مع التلاميذ هوشعنا… ماذا سنحمل في قلبنا؟ من هو هذا الملك الآتي؟

يسعى الإنسانُ بطبيعته ومنذ فجر التاريخ للسلام، ويرى في تحقيق ذلك سعادتَه وهناءه.

لكنّه غالباً ما يُخطئ في اختيار الدروب التي يظنّها ستوصله إليه.

فلطالما سقط الإنسان في الحروب طلباً للسلام.

من أجل السلام إستخدم كثيرون الإستبداد، في طلب السلام تهافت آخرون على جمع المال.

في سبيل السلام لم يوفِّر البعضُ على أنفسهم إستخدام أيّة وسيلةٍ، ولم يتردّدوا في سلوك أيّ دربٍ خاطئة.

إنَّ قراءةً واعيةً للتاريخ البشريّ توضّح، من جهةٍ أولى، سعي الإنسان الحميم إلى السلام، ولكنّها تظهر أيضاً فشل أغلب تلك الدروب التي سلكها، وأغلب الحلول التي طرحها اليهود الهاتفون: “خلصنا، مباركٌ الآتي بإسم الرب”، عاشوا تاريخهم الطويل المعذّب وهم ساعون في عطشٍ إلى السلام.

إبتغوه، لكنّ أحلامَهم رأته من خلال الإستقلال، ولم يكن ذلك يعني ما هو أقلّ من الإستبداد أحياناً عديدة، وتوقعوه في التحرير ولو كان ذلك مراتٍ بإستعباد الآخرين.

طلبوا السلام في أحلام المجد والسلطان، في فلسفة السيطرة، ورغبات الهيمنة، غير متذكرين نبوءة زخريا :

“افرحي يا ابنة صهيون لأنّه هوذا ملككِ يأتي إليكِ راكباً على جحشٍ ابن أتان”

بعد ثلاث سنين من التعليم والأعمال، أشرف الربّ يسوع على أبواب أورشليم في جوٍّ من التحدّي القاسي، ودخلها دخول الفاتح بعد إقامة لعازر.

لقد سبى قلوبَ الناس بسيطرته حتّى على الموت.

ورأى الشعبُ به محطَّ أحلامه، فدخل أورشليم كملكٍ لإسرائيل.

لكنّه دخلها في وجهٍ من الغرابة، على إبن أتان. 

يريد يسوعُ بدخوله الظافر هذا وبهذا الأسلوب، أن يُعلن عن طبيعة ملكوته.

إنّه ملكوت البرّ والسلام الحقيقيّ.

وهذا ما يشدّد عليه نصّ الرسالة اليوم :

“ما هو من طهارة، من عفاف، من عدلٍ، من كلّ صفةٍ محبَّبةٍ، من حُسنِ صيتٍ، إن تكن فضيلةٌ وإن يكن مدحٌ ففي هذا افتكروا… وإله السلام يكون معكم”.

هذه هي أسلحة السلام الذي نسعى إلى تحقيقه.

إنَّ الربّ يسوع الفاتح اليوم، يؤسّس هذه المملكة.

هذه هي دروب السلام، وهذا ما يعنيه زياح الشعانين.

هذا الزياح هو “مسيرة” المسيحيّين السلاميّة يرفعون فيها شعاراتهم، وأهدافهم، وأسلحتهم، ألا وهي سعف النخيل، والتي يفسّرها التقليد كلّه على أنّها رموز الفضائل، كما تقول الأناشيد المباركة. 

هكذا فتح الربُّ يسوعُ أورشليمَ، وبذلك إفتتح هذا الملكوت السلاميّ تاركاً لنا، نحن المسيحيّين، إكماله وتحقيقه على وجه الأرض كلّها.

المسيح دخل ملكاً على أورشليم مرّةً لنملّكه نحن على العالم بأسره أبداً.

الكنيسة وحدها بالبرّ الذي تعلِّمه، وتحياه، وتبشِّر به، هي مركز السلام على الأرض بين الشعوب، لا بل علامته وقوته.

ملكوتُ هذا الملك هو الكنيسة، التي تبني البرّ وتهدم أركان الشّر؛ التي تربط الناس بالمحبّة لاغيةً كلّ الفوارق.

إنّها تجمع فعلاً في مقابل كثير من التجمعات التي تجمع لتفرِّق، فتصالح البشر، وتجعلهم يتبارون بالبرّ فقط.

الزياح بالشعانين “مسيرةٌ” هذا هو فحواها، نعلنه لنا وللآخرين، أنّنا نؤسّس ملكوتاً، القوّة فيه هي المحبّة، والرفعة هي التواضع، والمجد هو الخدمة، والسيّد هو الآتي على إبن الأتان.

هذه هي مجازفة الإيمان، والإيمان دون مجازفةٍ باطلٌ.

إيماننا أنّنا كسيّدنا سنبقى مؤمنين، أنّ الظلم ضعيفٌ لأنّه يعْبُر، لكنَّ التضحية ولو بدأت بالموت هي حبّةٌ ستقوم إلى سنابل ظفر.

كلّ ما هو ضعيفٌ في نظر الناس هو بإيماننا أقوى سلاح.

كثيرون تسلَّطوا على الناس بالسلطان وفتحوا الدنيا بالعنفوان، كانوا وزالوا، وحده ربّنا كان، ولأنّه حارب بالحبّ، يكون وسيأتي

يضطهدوننا بالظلم نقابل بالغفران، يتسلّطون بالمجد نردّ بالتواضع، لأنَّ الظلمَ يموت والغفران يقوم، ذلك واهٍ وهذا الأخير حيٌّ لا يموت. 

لذلك نرفع صليبك يا ربّ ونقول :

"أوصنا في الأعالي مباركٌ ملك إسرائيل الآتي باسم الربّ" 

آميــن

(الأب جيرارد أبي صعب)
(منقول)

تعليقات