تأمّل اليوم : /الثالوث الأقدس/


[ الثالوث الأقدس ] 

إن عقلنا لن يصل أبداً إلى إدراك سرّ الثالوث الأقدس، لأنّ المحدود لا يمكنه إحتواء غير المحدود، والأزليّ لا يسعه عقل مرتبط بالزمان والمكان إدراك حقيقته الأزليّة.

رغم هذا يمكننا معرفة الثالوث، والدخول في أعمق أسرارها.

فمن قال أنّ المعرفة هي معرفة العقل والإدراك هو فقط إدراك اليقين الملموس؟ المعرفة الحقة هي معرفة الحبيب لحبيبه والعروس لعروسه والأمّ لإبنها.

الحب هو أسهل الوسائل لمعرفة جوهر الله، فجوهر الله محبّة لأنّ الله محبة كما يقول يوحنّا في رسالته.

من يحبّ يعرف، لا معرفة العالِم والمُختبِر بل معرفة الواثق والمرتجي.

الأمّ تحبّ إبنها لا لأنّها تعرفه بكافّة أبعاده، تحبّه ليس لخصاله ومميّزاته، تحبّه لا لأنّها تلمس عمق جوهر وتعلم علم اليقين أنّه جيد وصالح، لا لأنّها تعلم من أين أتى وإلى أين يذهب.

فهي لا تعلم هذه الأشياء كلّها، ليست تدري أي مستقبل سوف يكون لإبنها وليست أكيدة كيف سوف ينتهي به المطاف، رغم هذا تحب.

المحبّة لا شروط فيها، لا تطلب مقابلاً ولا تسعى إلى معرفة علميّة. 

معرفة الله هي أنّ أحبّه، فالمحبّة هي أنْ أحيا عمليّاً ما هو الله بجوهره، بالحبّ أشارك الله في حقيقة وجوده، دون أن أفهم فهماً كاملاً معني ثُلاثية الأقانيم في الإله الواحد، وكيفية إنبثاق الروح وولادة الإبن، دون أن أفهم كيف يمكن للإبن أن يكون مولوداً من الأب وأزليّاً في الوقت عينه. 

حين أجعل حبّ الثالوث يأتي في المكان الثاني بعد رغبتي في الفهم العقلي، أدخل في متاهات الإنقسام والجدليّة، يصبح الثالوث، مصدر كلّ وحدة وحبّ، هو وحدة الآب والإبن بالروح القدس، مصدر تفرقة وقسمة.

حين أحب أثق، وأؤمن، وأعلم أن الربّ سوف يكشف ذاته لي بقدر ما أحببته، فأعرفه لأنّي أحبّه، لا أحبّه لأنّي أعرفه.

حبّ الثالوث لا بدّ أن يتجلّى في حياتي اليوميّة كمؤمن أعتمد بإسم الثالوث الأقدس، فأنا الّذي إعتمدت بإسم الآب والإبن والرّوح القدس صارت هويّتي الثالوث الأقدس، وصرت عاملاً بإسمه وعلى مثاله.

علاقتي مع ذاتي لا بدّ أن تكون ثالوثيّة، أعرف ذاتي وأقبل عطايا الله لي في الشّخص الّذي صرته بنعمة من الله.

وعلاقتي مع الآخرين لا بدّ أن تكون ثالوثيّة معطاءة : فالآب يهب الإبن ذاته أزليّاً، والإبن يهب الآب ذاته أزليّاً، والرّوح القدس يكوّن منذ الأزل وإلى الأبد علاقة العطاء هذه. 

الأب والإبن يرتبطان بعلاقة حبّ لا تنتهي، علاقة إسمها الثالوث ورباطها الرّوح القدس.

علاقتي بالآخرين لا بد أن يكون رباطها الرّوح القدس ومحورها الحبّ ووبذل الذّات.

عائلتنا لا بدّ أن تكون ثالوثيّة، أي أنْ يتجلّى فيها حبّ الثالوث من خلال حبّ الزوجين، فيكون حبّهما، على مثال حبّ الآب والإبن، خصباً يعطي الحياة، كما أعطى الآب بالإبن روح الحياة للعالم.

صداقاتنا لا بدّ أن تكون ثالوثيّة، مجتمعنا وعالمنا لا بدّ أنْ يقبل منطق الثالوث في داخله لتكون له الحياة، ومنطق الثالوث هو منطق الوحدة رغم الإختلاف، على مثال وحدة الثالوث بالطبيعة رغم إختلاف الآب عن الإبن والرّوح بالأقانيم.

صعب هو فهم سرّ الثالوث، وسهل عيش حقيقته، حين أحبّ أعرف عمق الثالوث لأنّي أحيا جوهر الثالوث، فجوهر الثالوث محبّة.

(منقول)

تعليقات