[ ما هي رسالة عذراء فاطيما لأيّامنا هذه؟ ]
بمناسبة زيارة تمثال عذراء فاطيما الى الاردن، ننقل لكم ما نشره موقع أبونا :
“تلك رحمة من حنان إلهنا، بها افتقدنا الشارق من العلى”
(لوقا 1: 78)
يأتي حدث فاطيما بمثابة إنبثاق نور الله وسط ظلمات التاريخ البشري.
ففي مطلع القرن العشرين، تردد وعد الرحمة في حقل كوفا دا إيريا، التابع لعائلة لوشيا دوس سانتوس، في مدينة فاطيما البرتغالية، مذكرًا العالم الغارق في الصراع، والمتعطّش إلى كلمة رجاء من الإنجيل، باللقاء الموعود بالأمل والنعمة والرحمة.
“لا تخافوا، أنا ملاك السلام. صلّوا معي”
بدعوة إلى الثقة، دشّن حدث فاطيما.
وكتمهيدٍ لحضور نور الله الذي يبدّد الخوف، ظهر الملاك ثلاث مرّات للرعاة الثلاثة الصغار عام ١٩١٦، طالبًا منهم السجود، وهو التصرّف الأساسي الذي يهيئهم لقبول مخططات العلي الرحيمة.
وينعكس هذا النداء في الصلاة التي علّمها الملاك للأطفال الثلاثة :
“يا إلهي، إني أؤمن بك، وأعبدك، وأرجوك، وأحبك”.
من خلال سجودهم وتعبدهم، أدرك الرعاة الصغار بأن حياة جديدة أمامهم قد تم تدشينها للتو.
ومن هذا السجود، بزغت نعمة الإيمان، لتجعل من الإنسان تلميذًا يتم إصطحابه نحو علاقة متينة مع الله.
وتأتي هذه المحبة كجوابٍ على مبادرة المحبة الإلهيّة منذ الأزل، ولتجلب معها ثمار الإهتمام بالآخرين، خصوصًا أولئك الذين ينأون بأنفسهم عن تلك المحبّة، ولأولئك الذين “لا يؤمنون، ولا يسجدون، ولا يرجون، ولا يحبون”.
وبتناولهم للقربان الأقدس المقدّم من قبل الملاك، يرى الرعاة الصغار تأكيد دعوتهم في الحياة الإفخارستيا؛ حياة تفاني وتضحية الله في سبيل الآخرين.
فبقبولهم لنعمة صداقة الله، عن طريق السجود، فإنهم يلتزمون، من خلال الذبيحة الإفخارستية، بتقديم حياتهم بشكل كامل.
“هل أنتم مستعدون لتقديم حياتكم لله؟”
في أيار من عام ١٩١٧، قدّمت العذراء كليّة القداسة نفسها، وهي تفيض بنور الله، والذي من خلاله رأى الرعاة الصغار أنفسهم “بوضوح أكثر بكثير مما هو في أفضل المرايا”.
وفي إختبارهم لسرّ النور الذي يفيض من يدي العذراء، فقد إمتلأ الرعاة بحضورٍ حُفر بشكل لا يمّحى في أعماقهم، وجعلهم شهودًا لرسالة الرحمة الإلهيّة، والتي تنير تاريخ البشرية المتألمة منذ الأزل.
إن السرّ المعطى في فاطيما هو بالتحديد وحيٌ لسر الإنسان على ضوء نور الله.
ففي الصور التي تتوالى أمام أعين جاشينتا، فرانشيسكو ولوشيا، يتم عرض توليفة مأساة الحرية البشرية الصعبة.
ويصبح رؤية الجحيم تذكيرًا لحقيقة مفادها أن التاريخ ينفتح لآفاق أخرى، وأن الله يتوق كثيرًا إلى هذا اللقاء الأخروي، وفيه يتم إعادة الإنسان إلى الحبّ المعظى له منذ الأزل.
والأمر هو ذاته لرؤية الكنيسة الشهيدة (وعلى رأسها الأسقف المتشح بالثوب الأبيض) التي تسير عبر أنقاض المدينة، وهي حاملة ألمها وصلاتها، لتركع في نهاية المطاف أمام الصليب، ولتستحضر هذه الرؤية التاريخ البشري المخنوق بين أنقاض صداماته وأنانيته.
هي كنيسة تحمل هذه الأنقاض، على درب الآلام لتقوم في النهاية بتقديم نفسها إلى الله، أمام الصليب.
وهذه الكنيسة هي بذرة لحياة جديدة مليئة بالنعمة، على مثال قلب مريم الطاهر.
فالقلب المكرّس لله هو طاهر برحمته، وبالتالي هو مكرّس وممسوح لرسالة.
فسرّ فاطيما هو وحي لهذا القلب الطاهر والممتلىء بالنعمة الذي سوف ينتصر في النهاية.
يقدّم قلب مريم الطاهر حياة المؤمن كصلاة وتضحية.
تحثّ سيدة الوردية الرؤاة، وبإصرار، على الصلاة.
فالصلاة هي المكان حيث تنمو العلاقة مع الله وتترسخ.
إن السمات المحددة للصلاة التي تُطلب في حدث فاطيما تكمن تحديدًا في تلاوة السبحة الوردية، بحيث تطلبها العذراء في كل ظهور من الظهورات الستة، تحت شعار الحاجة الملحّة.
وفي هذه التربية الإيمانية المتواضعة، يُدعى المؤمن لأن يستقبل أسرار عطية المسيح في قلبه، ولكي يسمح لقلبه أن يُطعن كي يفدي جميع جراحات البشرية.
إن علاقة الإنسان الراسخة مع الله تحوّل حياته إلى “تضحية” و”بذل للذات” من أجل الإخوة؛ فالقلب البشري الذي أحبه الله كطفل، يتم تجديده على صورة الآب، لكي يتحلّى بشغف الله على الجنس البشري، ويلتزم في رسالة الإبن للمصالحة في جمع الرعيّة في حظيرة واحدة (يوحنا ١٠: ١٦).
من هنا تنبت الدعوة لمؤاساة “إله كل عزاء” (٢ كورنثوس ١: ٣)؛ فالشخص في علاقته الراسخة مع الله يشعر بالحزن لغياب الحب في غياهب التاريخ البشري، ومن تلك الساعة يرغب في مواساة الله نفسه.
“نعمة ورحمة”
يتجاوز حدث فاطيما حدود كوفا دا إيريا.
إن الكلمة الختامية لهذا الحدث قد قُدّمت إلى لوشيا خلال الأعوام ١٩٢٥ إلى ١٩٢٩.
فبعد أن قدّم قلب مريم الطاهر ذاته على أنه “الملجأ والطريق المؤدي إلى الله”، يقدّم كذلك نفسه على أنه الملجأ الأموميّ الراغب بإستقبال مآسي التاريخ البشري، وإستقبال كلّ رجل وكل إمرأة كرسوا ذواتهم له بغية الإنخراط في رسالة قلب الله الرحيم.
يصور قلب مريم الطاهر دعوة كل رجل وكل إمرأة بأنها طبعت بالنعمة منذ البدء.
فالتكريس لهذا القلب المملوء نعمة يؤكد جليًا أن دعوة الإنسان تكمن في حياة وفيرة مع الله.
ولهذا السبب أيضًا كان هناك طلب تناول القربان الأقدس من أجل التعويض أو الكفارة، في أول سبت من كل شهر.
وأيام السبت هذه التي تكرّس للإلتقاء بالله، هي صورة عن الحياة المكرسة كلية لله تعالى.
وفي النهاية، كل شيء “نعمة ورحمة”.
إن سرّ الثالوث الأقدس، والنور الذي يتخلل كل حدث فاطيما، يذكرنا بأن قلب الله الرحيم قد أعطي لنا.
وتعزز شهادة الأطفال الثلاثة في تلك القرية النائية، التأكيد على أن نور الله الرحيم سيغمر أقاصي الأرض، وسيتم صياغة التاريخ من جديد، وبقوّة، من خلال نعمة الله ورحمته.
(منقول)
امين 🙏❤️
ردحذف