“فقام ومضى إلى أبيه. وكان لم يزل بعيدا إذ رآه أبوه، فتحركت أحشاؤه وأسرع فألقى بنفسه على عنقه وقبله طويلا. فقال له الابن: يا أبت، إني خطئت إلى السماء وإليك، ولست أهلا بعد ذلك لأن أدعى لك ابنا. فقال الأب لخدمه: أسرعوا فأتوا بأفخر حلة وألبسوه، واجعلوا في إصبعه خاتما وفي قدميه حذاء، وأتوا بالعجل المسمن واذبحوه فنأكل ونتنعم، لأن ابني هذا كان ميتا فعاش، وكان ضالا فوجد. فأخذوا يتنعمون. “
(لوقا ١٥، ٢٠ – ٢٤)
في ١ أكتوبر ١٩٥٠، أُعدم شاب يبلغ من العمر ٢٧ سنة في باريس بعد أن قتل عنصر شرطة خلال عمليّة سطو.
كان جاك فيش، القاتل، ضحيّة إهمال والدَيه والعزلة والملل اللذَين يرافقان حياة الترف.
كان فاسقاً.
عاش حياة مضطربة ينتقل من علاقة إلى أخرى ومن عمل إلى آخر قبل أن يجد نفسه والداً لطفل لم يرده من زواج تعيس.
لكنه وكما الإبن الضال، عرف جاك أيضاً الفرح والسلام الذي يشعر بهما من يحصل على المغفرة والمحبة غير المشروطة وغير المُستحقة.
كانت السنوات الثلاث التي عاشها جاك في الحبس الإنفرادي منتظراً الإعدام فترة إهتداء وتحوّل.
تعلّم معنى محبة إبنته وأمّه ووجد في المرشد الروحي للسجن صديقاً.
تحوّلت لامبالاته بمصيره وبالعالم من حوله – إضافةً إلى مشاعره العدائيّة تجاه اللّه – إلى شعور عميق بالحزن على جريمته وإلى سكينة متجذّرة في الصلاة والإيمان.
وتُعبّر يومياته التي كتبها في السجن عن رجل حوّل اللّه حياته من خلال محبته الشافيّة.
يُنظر اليوم في دعوى تطويب جاك فيش.
تُذكرنا قصة “الإبن الضال” أن بإستطاعة كلّ واحد منا أن يبتعد عن محبة اللّه وأن يبحث عن مسار آخر.
لا يعني ذلك أننا أشرار أو أنه حُكم علينا.
يعني الإبتعاد عن البيت نكران الحقيقة القائلة أن اللّه هو :
“الذي كون كليتي ونسجني في بطن أمي.”
(المزمور ١٣٩: ١٣).
يعني الإبتعاد عن المنزل وكأن لا منزل لي بعد.
ومع ذلك، حتى في محاولاتنا “ترك المنزل” والتأكيد على إستقلاليتنا، يبقى اللّه إلى جانبنا.
إن الدرس الذي تعلمه جاك خلال سنوات سجنه هو نفسه الدرس الذي تعلمه الإبن في المثل :
نتعرف على أنفسنا من خلال الخسارة وعندها نتحرر لنرى من نحن حقاً وما نحن مُعدون للقيام به.
إن نعمة معرفة الذات هي وقبل كلّ شيء درس في التواضع – ونظرة بسيطة ومجردة لأنفسنا أمام اللّه.
يعطينا التواضع القوة للتخلي عن الأوهام خاصةً الوهم بالإكتفاء الذاتي والمحبة الذاتيّة فنعود إلى بيت اللّه عندما نضلّ الطريق.
إن اللّه صبور ومستعد دائماً لإستقبالنا بغض النظر عن ما فعلناه ولماذا إبتعدنا.
فلنتأمل إذاً بقصة جاك فيش وبمثال الإبن الضال خلال الأسابيع الأخيرة من الصوم.
ونستعيد مع جاك كلماته في رسالته إلى أمّه :
“عسا اللّه أن يساعدك على رؤية القديسة النائمة داخل روحك.
أطلب منه أن يجعلك منفتحة لتفهي وتعلمي ما يريده منك.
حياتك ليست بشيء فهي أصلاً ليست ملكك.
في كلّ مرّة تقولين “أرغب بفعل هذا وذاك” تجرحين المسيح وتجردينه من ما هو عليه.
عليك بأن تميتي كلّ ما فيك بإستثناء محبتك للمسيح.
هذا ليس صعب جداً.
يكفي تقديم الثقة وشكر يسوع المسيح على كلّ الطاقة التي وضعها فيك.
أنت مدعوة إلى القداسة مثلي ومثل الجميع، لا تنسي.”
(منقول)
تعليقات
إرسال تعليق
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}