لماذا يضع الكاثوليك التماثيل في الوقت الذي قال الكتاب المقدس: ” “لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة”!!!


[ لماذا يضع الكاثوليك التماثيل في الوقت الذي قال الكتاب المقدس: ” “لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة”!!! ] 


يورد بعض أخوتنا الذين إنفصلوا عن الكنيسة الرسوليّة آية واحدة يتيمة، وقد يستعينون أحيانًا بآية أخرى، وهم في ذلك، على حدّ تعبير البطريرك الراحل شنودة الثالث، من “أهل الآية الواحدة”، لا يحفظون سواها ولا يوردون إلا إيّاها، وقد أضحوا في موقف نفساني يجعلهم، بإيحاء من هيئاتهم التعليميّة الحديثة، مستعدّين لتجاهُل كل النصوص الأخرى، أو تأويلها بشكل يُبطلها.

خروج (٢٠: آية ٤)

يستخدم أولئك الأخوة والأخوات، لمنع الصوَر والتماثيل، نصّ (سفر الخروج ٢٠: ٤) :

“لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة، لا ممّا في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض – آية ٥: لا تسجُد لهنّ ولا تعبُدهنَّ”.

يورد أهل “الآية الواحدة” آية ٤ وقد يستمرّ بعضهم حتى الآية الخامسة.

ويستنتجون أنّ الصوَر والتماثيل “ممنوعة”.

من السهل هنا أن يلحظ المرء أنَّ الآية الرابعة، إذا أُخِذت وحدها، تحرِّم علينا أجمعين أيّة صورة وأي نحت وأي رسم، بما فيه الصور الفوتغرافية والتصوير التلفزيوني والسينمائي والفيديو وكل أنواع الرسم من فني وهندسي بأشكاله من مربعه ومستطيله ومكعّبة وما إلى ذلك. وإذا إستشهد المُــتكلم بالآية الخامسة أيضًا، أو على الأقل بقسمٍ منها، فإنه بهذه الزيادة يبرّر ما سلف ذكره من تصوير ونحت ورسم بحجّة أن الإنسان “لا يسجُد لها ولا يعبُدها”.

ومن السهل أيضًا أن يُجيب المؤمن : ونحن لا نعبد الصور المقدسة ولا التماثيل ولا نسجد لها – وهذا الكلام الصحيح.


سياق خروج (٢٠: ٤–٥ أ)

يعود المسيحي أدراجه ليتبع القاعدة الذهبية في تفسير الآيات المُلهمة، وهي الرجوع إلى السياق أي إلى النصّ الكبير الكامل حيث وردت هذه الآية أو تلك.

وهذا هو سياق خروج (٢٠: ٤–٥ أ):

آية (٣) “لا يكن لك آلهة أخرى أمامي”

آية (٤) “لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا ولا صورة”

آية (٥) “لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ، لأني أنا الربّ إلهك إله غيور”.

منع الأصنام أي “الشرك” أو وجود “آلهة أخرى” أمام الله وتجاهه.


يتّضح من السياق أن الله عزّ وجلّ حرَّم أن يتخذ العبرانيون لهم “آلهة أخرى” يصنعونها (بشكل صوَر أو تماثيل) تكون لهم أصنامًا أو أوثانًا، بما أنه يطالب، وهو الغيور، بأن لا يكون لهم غيره إله.

وهكذا يفهم المرء أن السجود للأصنام ممنوع، وكذلك عبادتها.

ويطمئن المؤمن في الكنيسة أنه لا يعبد آلهة أخرى سوى الله وأنه لا يسجد لغيره تعالى، وأن الصوَر والتماثيل ليست موضوع عبادة في الكنيسة (إذا كان بعض الجهّال يعبدونها فموقفهم مُخالف لتعاليم الكنيسة والكتاب المقدّس).

وقبل أن نورد هنا بعض الآيات التي تنقل إلينا أوامر من الله صريحة بصناعة صوَر وتماثيل حتى في أماكن العبادة، نلحظ أن مُعظم المجموعات المنشقة عن الكنيسة الرسوليّة تصنع في مطبوعاتها صوَرًا للسيّد المسيح وسائر شخصيات الكتاب المقدّس.

ومن ناحية أخرى، تصنع صوَرًا للسيّد المسيح، ولا تصنع صورًا للسيّدة العذراء ولا للقديسين (في حين تضع صوَر مؤسّسيها في بناياتها ومطبوعاتها).

ومن ناحية ثالثة، إذا كان بعض أخوتنا يحرِّم وضع شخص المصلوب على الصليب بحجّة أنه “تمثال” فعليهم أن يُزيلوا الصليب نفسه بذريعة أنّه “صورة”.

والواقع أن كلاًّ منهما مقبول وغير ممنوع لأنّهما ليسا إلهين من دون الله… وما صوَر العذراء عليها السلام والقديسين سوى إشارات ترمز إليهم، وليسَت أصنامًا نعبدها ولا أوثانًا نسجد لها.

إنّ إيضاح السياق الكامل لنصّ خروج (٢٠: ٤–٥ أ) يُعِدّ النفوس لقبول سائر ما ورد في الكتاب المقدّس من آيات يأمر فيها نفس الإله الذي قال “لا تصنع تمثالاً ولا صورة”، بصناعة صوَر وتماثيل بقوله تعالى، في صيغة الأمر (وفي صيغة المضارع المُفيد للأمر) : “اصنع”.

وهكذا نرى أن لا تناقض في كلام الله : منع عزّ وعلا صناعة الأصنام، وأمَرَ بصناعة صوَر وتماثيل تساعد المؤمن وهو بشر مكوّن من جسد ونفس، في عبادته للإله الواحد الذي لا ثاني له.

مع آية “لا تصنع” آيات “اصنع “

لا مُتّسع هنا لإيراد الآيات التي أمر بها الله صناعة صوَر وتماثيل، وحسبنا الإستشهاد بواحدة منها لنقابل خروج ٢٠: ٤.

وما الهدف من العملية سوى وضع النصوص المقدّسة أمام أعيُن القرّاء الأعزاء – فإما يفعلون كما يفعل بعض الأخوة والأخوات، أي يتجاهلون تمامًا العمود الثاني، أو يفسِّرونه تفسيرًا سلبيًا، يبخّره وينسفه “لصالح” خروج ٢٠: ٤، أو يقبلون كل الآيات ويزعمون أنّ بينها تناقضًا، أو يقبلون كل الآيات بكامل نصوصها وكامل عددها، ويفحصون الكتب المقدّسة بنزاهة، ليكتشفوا أن لا تناقض بينها، كما إتّضح في هذا المقام : لا تناقُض بين تحريمه تعالى للأصنام ووصيّته بصناعة صوَر وتماثيل لا تكون أوثانًا، ولا آلهة جديدة بل أدوات لمساعدة الإنسان في تقواه.


هذا نصّ الآيتين المتوازيتين غير المتضاربتين : قال الله لموسى :

خروج (٢٠: ٤) “لا تصنع لك تمثالاً منحوتًا”…

خروج (٢٥: ١٨) “اصنع (أو تصنع، بمعنى الأمر) كروَبين من ذهب”…

هذا في قضية التماثيل، والنصوص المقدّسة الأخرى تتبع : أمّا في قضية الصوَر، فهذه مقابلة أخرى :

قال الله لموسى (خروج ٢٠: ٤) “لا تصنع لك صورة ما ممّا في السماء”…


قال الله لداود (الملوك الأول (الثالث) ٥ وفصل ٦: ٣٢)

“إنّ إبنك (سليمان) هو يبني البيت (أي الهيكل) لإسمي… ونقش (سليمان) على جميع جدران البيت على مدارها صوَر كروبين ونخيل وزهور متفتّحة في البيت وما يتّصل به”…

ويكفي القارىء، أن يُطالع من نفس الكتاب المقدّس الذي حرّم الأصنام في خروج ٢٠: ٤–٥ الفصل الخامس والعشرين من سفر الخروج ذاته، ولاسيّما الآيات ١٠ و ١٦ و ١٨ و ٢٠ والفصل السادس والعشرين (آية ٢٢) والفصل السابع والثلاثين الآيتين ٧ و ٨، ومن سِفر الملوك الأول (أو الثالث حسب التقسيمين اليوناني واللاتيني) الفصل السادس إبتداءً من (آية ٢٣) :

“وعمل (سليمان) في المحراب كروبَين من خشب…” إلى الآية ٣٥، حيث يصف الكتّاب الملهمون بعض ما أمر سليمان بصناعته، بناءً على وصية الرب، من صوَر وتماثيل في الهيكل، وأنّ سليمان غطّى الكروبيم بالذهب وإستخدم الحجارة الكريمة… (فلعلّ في ذلك ردًّا على المعترضين على إستخدام المعادن والحجارة الكريمة والمواد الثمينة في أماكن العبادة).

الآيات المنسية أو المُغفلة : “إصنع” صوَرًا وتماثيل !

هذه الآيات كثيرة، وطبيعي أنها لا ترِد في أحاديث المنشقين عن الكنيسة ولا في كتاباتهم.

لذا من المُفيد، لا الإشارة إليها فحسب، بل الإستشهاد بها، مساعدة للمؤمنين الباحثين عن “الحقّ كلّه” وعن محتويات الكتاب المقدّس “كله” غير مكتفين بآية أو رُبع آية.

وهنا نجد الإله القدير الحكيم ذاته، الذي “ليس عنده تحوّل ولا ظلّ دوران”، وهو تعالى الذي حرَّم صناعة الصوَر والتماثيل كأصنام وكآلهة من دون الله، نجده، جلّ جلاله، يأمر موسى وسليمان بصناعة صوَر وتماثيل.

وهذه بعض تلك النصوص المقدّسة التي لا سبيل إلى تغطيتها ولا تحريفها ولا إلى تمييعها ولا إلى “نسفها” بنصّ خروج ٢٠: ٤.

خروج ٢٥ : ١٨ وتابع

قال الرب لموسى :

“إصنع كروبين من ذهب صنعة طرْق… تصنع كروبًا على هذا الطرف، وكروبًا على ذاك الطرف من الغشاء، تصنع الكروبَين على طرفيه. ويكون الكروبان باسطين أجنحتهما إلى فوق، مظللين بأجنحتهما على الغشاء، وأوجههما الواحد إلى الآخر، وإلى الغشاء تكون أوجههما… فأجتمع (أنا الرب) بكَ هناك وأُخاطبك من فوق الغشاء، من بين الكروبَين… واصنع مائدة من خشب السنّط طولها ذراعان…”

(راجع النصّ الكامل لخروج ٢٥: ١٠-٢٩).

وورد في الآيات ٣٠ وتابع: “(قال الرب لموسى) :

“واصنع منارة من ذهب خالص… ولتكن ستّ شُعب متفرّعة من جانبيها… واصنع سُرُجَها سبعة ومقاطعها، ومنافضها من ذهب خالص، قنطارًا من ذهب خالص تصنع المنارة مع جميع هذه الآنية.فانظر واصنع على المثال الذي أُريك إيّاه في الجبل”

(حتى آية ٤٠ آخر الفصل).

ويُتابع الفصل السادس والعشرون من سفر الخروج نفسه:

“(قال الله لموسى): “واصنع المسكن… واصنع ألواحًا للمسكن من خشب السنط قائمة… وانصب المسكن بهيئته التي أُرِيتَها على الجبل…”.

ويستمر الفصل السابع والعشرون من “الخروج” مواصلاً سلسلة أفعال “اصنع” والمضارع بمعنى الأمر “تصنع” :

“اصنع قرون (المذبح) على أربع زوايا…” (حتى آية ٩).

ويُعطي الفصل الثامن والعشرون تفاصيل الثياب الكهنوتية لهرون :

“اصنع (يا موسى) طوقين من ذهب وسلسلتين من ذهبٍ خالص…” (حتى آية ٢٨).

يتّضح أنّ الله تعالى أمر نبيّه موسى بصناعة صوَر وتماثيل وبأنه عزَّ وجَلّ وعلا أرى موسى النموذج الذي كان عليه أن يصنع مثله.

وهكذا يُعلّمنا الكتاب المقدس أن الله تعالى ذاته صنع صوَرًا وتماثيل أوصى موسى بمحاكاتها أي بأن يصنع مثلها.

يروي الفصل الثاني والثلاثون من سفر الخروج أن الشعب صنع له صنمًا فعاقبه الله :

خروج ٣٢: ١ وتابع العجل الذهبي

“قال الشعب لهرون : قُمْ: فاصنعْ لنا آلهة تسير أمامنا… أخذ هرون (شنوف الذهب) وصوّرها في قالب وصنعها عجلاً مسبوكًا فقالوا : هذه آلهتكِ يا إسرائيل التي أخرجتْك من أرضِ مصر…”.

ومع أنّ ذلك الكفر والشرك تمّا، غير أنّ الله تعالى عاد فأمر موسى بصناعة صوَر وتماثيل – لا كأصنام ولا كآلهة، بل لمساعدة الشعب المؤمن لأنه بشر مكوّن من جسد ونفس :

خروج ٣٤: ١ وتابع

“ثمّ قال الرب لموسى: انحت لك لوْحَيّ حجر…

وهو الإله ذاته الذي نهى :

“لا تصنع لك منحوتًا”…

انحت لك لوْحَيّ حجر كالأولين فاكتب عليهما الكلام…”

ويطلب الله تعويضًا عن العجل الذهبي أن يصنع الشعب “ما أمر الربّ به : المسكن وخباءه… والحجاب والمائدة… ومنارة الإضاءة…” (حتى آخر الفصل مع مدح بصلائيل بن اوري وأهليآب لحكمتهما في “صناعة كل صناعة نجّار… وكل صنعة حائك… من عمل القدس بحسب كل ما أمر الرب به…”).

الملوك الأول (أو الثالث) ٦: ٢٣ وتابع

“صنع (سليمان، بناءً على أمر الرب) من المِحراب كروبَين من خشب… وغطى الكروبَين بالذهب… ونقش على جدران البيت (أي الهيكل) على مدارها صوَر كروبين ونخيل متفتّحة في البيت وما تصل إليه. ونقش على مصراعَي (الهيكل) كروبين ونخيلاً وزهوراً متفتّحة…”.

(راجع أيضًا الفصل الثامن من الآيات ٦ وتابع والفصل العاشر آية ١٩ وتابع).

"وكان على جانبي المقعد (في الهيكل) يدان من هنا ومن هناك وأسدان (غير حقيقيين طبعًا) عند اليدين، ثمّ اثنا عشر أسدًا واقفة على الدرجات الستّ من هنا ومن هناك لم يُصنع لها نظير في جميع الممالك…”.



معجزات عن طريق الصوَر والتماثيل :

إذا أنكر أحد أنّ بإستطاعة القدرة الإلهية أن تقوم بمعجزات عن طريق صوَر وتماثيل فليقرأ عن الحيّة النحاسية التي أمر تعالى موسى بصناعتها، لا للعبادة، بل للشفاء والنّجاة، وأشار إليها الرب يسوع رمزًا للمسيح المصلوب (يوحنا ٣: ١٤) :

“كما رفع موسى الحية في البرية هكذا يحب أن يُرفع ابن الإنسان”.

سفر العدد ٢١: ٥-٩

“تضرّع موسى لأجل الشعب (الذي كان قد تكلّم على الله وموسى فأرسل إليهم تعالى حيّات ناريّة). فقال الرب لموسى : اصنع لك حيّة (وهو تعالى القائل : “لا تصنع لك صورة ولا منحوتًا…”) وارفعها على سارية فكلّ لديغ ينظر إليها يحيا. فصنع موسى حيّة من نحاس…”.

يستنتج المرء من الحادثة المذكورة ومن شفاء كل مَنْ كان ينظر إلى الحية النحاسية أنّ الله لم يُحرِّم صنع الصوَر والتماثيل بل الأصنام، وأنّ في بعض الصوَر والتماثيل المقدّسة بقوّة الله، قدرة على الشفاء، كما نُدرِك شفاعة القدّيسين على غِرار موسى.

أمّا الحيّة النحاسية والسارية فلم يرذلهما الله لا في العهد القديم ولا في الجديد إذْ شهد المسيح الرب فيها إشارة إلى شخصه المصلوب وإلى صليبه الكريم المُحيي، فعلينا نحن المسيحيين أن ننظر إلى المصلوب وأن نضع حيّتنا النحاسيّة على سارية، لا أن نُزيل شخص المصلوب أي الحيّة لنحتفظ فقط بالسارية أي الصليب وحده.

النقش والنحت والرسم والتصوير… والكتابة!

تُطلعنا العلوم التاريخية والأثرية أنّ العبرانيين تكلّموا أيضًا اللغة الفرعونية وكتبوها في مصر.

والمعروف عن الكتابة “الهيروغليفية” أنّها مكوّنة من صور.

إذا حرّم تعالى كل صورة وتمثال (كما يتوهّم البعض)، يكون قد حرّم لا الرسم والتصوير والنحت والهندسة فحسب بل الكتابة أيضًا، بما أنّ العبرانيين في فترة سفر الخروج ذاته كانوا يكتبون الهيروغليفية، بما فيهم موسى النبي.

وإتّضح أيضًا من الأبحاث أنّ عددًا لا بأس به من أحرف اللغات الساميّة (وغيرها) من عبرية و أرامية مثلاً كان أصلاً صوَرًا، ويبدو أنّ حرف الباء المُشار إليه بلفظ “بيت” كان شكله بيتًا مرسومًا، وحرف الجيم المُشار إليه بكلمة “جيمل” كان له شكل جمَل، وحرف الدال المُشار إليه بلفظة “داليت” كان شكله بابًا (“ديليت”) وهكذا دواليك.

فهل من المعقول أن يكون الإله الحكيم قد حرَّم الكتابة أيضًا؟

(منقول)

تعليقات