أن يُحظى إيليا النبي «مار الياس الحي» من بين جميع أنبياء العهد القديم بتكريم عظيم في العهد الجديد، وأن تُبنى له الكنائس والمعابد، وأن تسمَّى بإسمه ونطلب شفاعته، ليس ذلك من قبيل الصدفة.
يكفي كي يكون هذا كله، أن نسمع ما يقول عنه الكتاب المقدّس :
«ما أعظم مجدك يا إيليا بعجائبك، ومن له فخر كفخرك؟ أنت الذي أقمت ميتاً من بين الأموات، وأهبطت الملوك إلى الهلاك، وبكلام الرب أغلقت السماء، وأنزلت النار ثلاث مراتۚ»
(سيراخ ٤٨: ٣-٦).
هكذا كان يؤمن الشعب القديم الذي يرى في شخصية إيليا وجهاً من وجوه الأنبياء الكبار، وجهاً للثبات والغيرة والإيمان، وسمّوه «الحي» لعمق تأثيره في حياة الشعب .
يحتفل المسيحيون في ٢٠ تموز من كل عام بعيد مار الياس.
الذي إعتادوا تسميته مار الياس الحي، كأنه لم يمت، بل صعد إلى السماء في مركبة نارية وهو لا يزال حياً ينتظرون مجيئه إلى الأرض.
إيليا النبي ظهر فجأة وغاب فجأة لم يعرف أين دفن، إلا أن إيليا كان رجلاً في نار في الدفاع عن عبادة الله الواحد تجاه كهنة بعل ومحامياً عن الصغار كما فعل مع نايوت اليزرعيلي فهدّد الملك بالعقاب ، ولم تتوقف رسالته بموته بل إمتدت في شخص تلميذه أليشاع.
لكن تبقى قوة هذا النبي نابعة من حياة حميمة مع الله وخاصة اللقاء الذي حصل في جبل حوريب حيث حضر الله عبر زلزل ونار وكلّمه في نسيم لطيف.
لم يصعد إيليا إلى المركبة النارية، لكن المركبة النارية فصلت بين إيليا وأليشاع (٢ ملوك ٢-١١) فأخذ الأول الذي مات وترك الثاني الذي ظل على قيد الحياة.
هذا ما قاله السيد المسيح حين تحدث عن مجيء ملكوت الله :
“يكون في تلك الليلة رجلان على سرير واحد يؤخذ الواحد ويترك الآخر…")
(لوقا ١٧: ٣٤-٣٥).
العاصفة حملت إيليا ولكن إلى أين؟ هناك تفسيران : التفسير المادي : على أحد الجبال أو في أحد الأودية (٢ ملوك ٢-١٦) هذا يعني أن إيليا ضاع في عاصفة رملية إلى حد أنها غطته وطمرته.
وقد بحث عنه الرجال ثلاثة أيام فلم يجدوه (٢ ملوك ٢-١٧).
وتفسير الوحي : أخذ الرب إيليا إليه.
أرسل روحه فأخذ إيليا إلى السماء تلك هي نهاية الأبرار كما يقول الكتاب المقدس في سفر الحكمة :
“أما النفوس الأبرار فهي بيد فلا يمسها عذاب”
(حكمة ٣-١).
كان إيليا أول صانع المعجزات :
تكثير الزيت والدقيق في بيت أرملة في صرفت صيدا.
هو أول من أقام ميتاً : أعجوبة إبن الأرملة بعد أن مات.
هو أول من إختفى في البرية للصوم والإمساك حتى يعود إلى رسالته في مواجهة الأخطار.
هو أول ناسك وأول متوحّد ذاق لذة اللقاء والعيش مع الله.
هو أول في خلق مدرسة الأنبياء فكان له التلاميذ ومنهم أليشاع.
هذا ما جعل من الكنائس المسيحية كافة تطلق إسم مار الياس الحي على كنائسها، إذ تحتل كنائس مار الياس المرتبة الثانية بعد كنائس سيدة العذراء.
إن لشخصية مار الياس الفذّة أعمق الأثر لا في المسيحية فحسب، وإنما في الديانة الإسلامية كذلك.
إذ ورد ذكر الياس مرتين في القرآن الكريم في سورتي الأنعام (٨٥-٦) :
“وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين”.
وسورة الصافات (٣٧: ١٣٢-١٢٣):
“وإن الياس لمن المرسلين إذ قال لقومه : ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين”…
تقول التفاسير الإسلامية أن الياس هو إبن هارون أخي موسى، وتشير أيضاً إلى أن الياس يأتي في درجة عيسى وزكريا وإبنه يحيى.
إيليا إسم عبري ومعناه “إلهي يهوه” والصيغة اليونانية لهذا الإسم هي إيلياس وتستعمل غالباً ً في اللغة العربية وهو نبي عظيم عاش في المملكة الشمالية وبما أنه يدعى التشبي يرجح أنه ولد في تشبة ولكنه عاش في جلعاء وكان عادة يلبس ثوباً من الشعر وكان يقضي الكثير من وقته في البرية وبما أن إيزابل ساقت زوجها الملك وشعب إسرائيل إلى عبادة البعل فقد تنبأ إيليا بأن الله يمنع المطر عن بني إسرائيل وإعتزل إلى نهر كريت وكان الغربان تعوله وتأتي إليه بالطعام وبعد أن جفّ النهر ذهب إلى صرفت وبقي في بيت امرأة أرملة ووفقاً لوعد إيليا لها لم يفرغ بيتها من الدقيق والزيت طوال مدة الجفاف ولما مات إبن الأرملة صلى إيليا فأعاد الله الحياة إلى الصبي .
وفي السنة الثالثة من الجفاف قابل النبي إيليا عوبديا وكيل أحاب ملك إسرائيل وكان عوبديا مؤمناً بالله وإتفق معه على مقابلة الملك وطلب إيليا من الملك أن يجمع الشعب إلى جبل الكرمل وأن يحضر معه أنبياء البعل وعشتروت ليرى أيهما يرسل نار تلتهم المحرقة الرب أم البعل فصلى أنبياء البعل ولكن لم يكن من مجيب لصلاتهم ولكن لما دعا إيليا الرب إستجاب له ونزلت نار من السماء إلتهمت المحرقة ويشير التقليد إلى أن هذه المعجزة تمت على جبل الكرمل في مكان يدعى حالياً المحرقة فأقرّ الشعب بأن الرب هو الإله الحقيقي وبناء على أمر إيليا قتل أنبياء البعل وعندئذ أعلن إيليا بأن المطر سوف ينزل .
ولما توعدت إيزابل بقتل إيليا لأنه قتل أنبياء البعل هرب إلى الجنوب وطلب إلى الله أن يأخذ حياته لكن الله أرسل إليه ملاكاً ليشجعه وليعطيه طعاماً وماءً وبقوة هذا الطعام أمكنه أن يسافر أربعين يوماً إلى جبل حوريب الذي يدعى أيضاً جبل سيناء ثم هناك أتى الرب بالريح والزلزلة والنار ولكنه في النهاية تكلم إلى إيليا في صوت منخفض خفيف ثم بعث الله إيليا ليمسح ياهو ملكاً على إسرائيل ليمحو شر بيت أحاب وعباد البعل وليمسح حزائيل ملكاً على آرام وليمسح أليشع نبياً ليخلفه.
وقد دبرت الملكة إيزابل زوجة الملك أحاب قتل نابوت ليرث زوجها كرم نابوت ولما دخل أحاب ليأخذ الكرم بعد مقتل نابوت ظلماً وعدواناً قابله إيليا وتنبأ بالموت الشنيع الذي سيموته أحاب وزوجته إيزابل وكذلك بالقضاء التام على ذرية أحاب.
وسقط أحزيا إبن أحاب وخليفته عن العرش من النافذة فمرض وأرسل رسلاً ليسألوا بعل زبوب إله عقرون عن شفائه فقابل إيليا الرسل وأرجعهم إلى الملك بدون أن يدعهم يذهبون إلى هيكل البعل.
غضب الملك من إيليا فأرسل ضابطاً مع خمسين رجلاً ليقبضوا على إيليا ولكن النبي صلى فأتت نار من السماء وإلتهمت الضابط والخمسين رجلاً معه وحدث الأمر ذاته مع ضابط ثاني وخمسين رجلاً آخرين أما الضابط الثالث الذي أرسل إليه لأخذه فإنه تضرّع إلى النبي لأجل حياته وحياة رجاله الخمسين عندئذ ذهب إيليا إلى الملك أحزيا وأنبـأه بأنه ما دام قد حاول أن يستشير إلهاً وثنياً فإنه سيموت حالاً وهكذا حدث وتمت هذه النبوة.
(منقول)
تعليقات
إرسال تعليق
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}