هذه القصّة حقيقيّة حدثت في أحد أديرة وادي النطرون سنة ١٩٨٤ : جون وينسون، شابّ ملحد أمريكيّ الجنسيّة جاء مع بعثة لترميم آثار أحد أديرة وادي النطرون.
بقي فريق البعثة يعمل مدّة خمسين يوماً ، ما أتاح الفرصة لجون للتعرّف إلى الراهب المسؤول عن إستضافة الأجانب في الدير.
وذات يوم دار هذا الحديث بين هذا الراهب وبين جون، فقال جون :
– إنّه لأمر غريب، يا أبانا، أن تحتمل الحياة هنا من دون تكنولوجيا، فهل ربّكم يمنع هذا، أو إنّه لا يحبّ التكنولوجيا؟!
-لا، يا جون، نحن الذين نرفض التكنولوجيا، فهي مفيدة في بعض النواحي، ولكنّها مضرّة كذلك في نواحي أخرى كثيرة، بالإضافة إلى أنّنا نستطيع الإستغناء عنها.
وبعد عشرة أيّام، إلتقى جون مجدّدًا بالراهب، فقال له :
– يجب أن أغادر الدير في الحال.
– ولماذا، يا جون، ألست سعيدًا؟
– لا أستطيع أن أحتمل هذا التقشّف، وأشكّ أنّكم أنتم أنفسكم تستطيعون تحمّله أو إنّكم تتظاهرون بذلك، إذ لا يستطيع آدميّ أن يتحمّله!!!
وأخذ جون يستفيض في الكلام حتّى بدأ الأب يتعب من كلامه وإنتقاداته، فقرّر عدم الخروج من قلاّيته لمدّة أسبوع إلاّ إلى الكنيسة، واللجوء إلى الصلاة من أجله.
حاول جون أن يتكلّم معه، فأفهمه الراهب أنّه في خلوة روحيّة لمدّة أسبوع يقضيها في صمت وصلاة وصوم.
لم يقتنع جون، بل أسرع إليه، ذات صباح بعد الإنتهاء من الخدمة الكنسيّة، وقال له :
-أحسّ يا أبانا، وكأنّك تتهرّب منّي، فهل هذا صحيح؟ إنّي محتاج إليك جدًّا.
– لا، يا جون، إنّي أحبّك وأصلّي لك كثيرًا.
– أنا لست بحاجة إلى صلواتك، بل إليك أنت.
– أنت تحتاج إليّ أم إلى الله؟
– لا يوجد شيء إسمه الله، وكلّ تعبك في هذا الدير سيذهب هدرًا.
عشْ حياتك، وإشتغل بضمير، وهذه هي الحياة.
– ضحك الأب وقال : أسأل صاحب هذه الصحراء أن يهديك السبيل الصحيح.
– صاحب الصحراء؟ وهل هو موجود؟ ومن يكون؟
– بالتأكيد موجود.
وأمّا من هو، فدعْه هو يعلن لك ذلك.
– أحبّ جدًّا أن أعيش فى الصحراء وحدي مدّة عشرة أيّام، فجوّها ممتع، وأشعر أنّها أرض مليئة بالخير.
– ما رأيك لو قضيت هذه الأيّام مع صاحب الصحراء؟
– وكيف أقابله؟
– لا تقلق.
هو سيتدبّر الأمر.
إذهب، وقل له :
“تعال، يا صاحب هذه الصحراء، فأنا محتاج إليك”
وسترى الخير كلّه مع هذا الصاحب.
– وطبعا سيكون معه سائر أنواع الترفيه والتكنولوجيا.
– إبتسم الراهب وتنهّد قائلاً : أكيد.
ودخل جون صحراء النطرون، وأخذ معه طعامًا يكفيه ثلاثة أيّام.
وبعد أسبوعين رجع جون، ولكنّه بدا شخصًا آخر.
وما إن رآه الراهب حتّى صرخ :
– جون؟ جون، يا للفرح!!
– آخ، يا أبانا الحبيب، أنا مديون لك بكلّ ما أملك.
أعرف أنّك لن تقبل منّي شيئًا، ولكنّي أريد أن أخبرك عن صاحب الصحراء أخبارًا تسعد قلبك.
كنت أعرف، جيّدًا، أنّ صاحب الصحراء ليس إنسانًا عاديًّا، ولكن كان في داخلي ما يشدّني إليها.
ففي اليوم الأوّل، ندمت كثيرًا لخروجي وحدي، وعانيت من الملل والضجر، فناديت ناديت بأعلى صوتي :
“يا صاحب الصحراء”.
وفجأة، هبّت ريح قويّة أرعبتنى وملأت كياني خوفًا، ووجدت أمامي سيّدة جميلة جدًّا، فقالت لي :
“جون، لقد أتيت لأقضي معك أجمل الأوقات”.
فقلت لها :
“أتعرفينني؟”
فردّت :
“نعم، ألا تدعى جون، وتشتغل كذا وكذا”.
ثمّ قالت بلهجة الآمر :
“يجب أن نخرج من هذه الصحراء للحال”
فأحسست بخوف وتعب كبيرين، وصرخت :
“إلحقني، يا صاحب الصحراء، إلحقني، يا صاحب المجد، أنا في حماك”.
وللوقت شعرت أنّي في حضرة الله صاحب الصحراء، ونور باهر يلفّني، ولكنّي لم أخفْ، بل شعرت بهدوء وسلام عجيبين وفرح غريب يغمرني، فسجدت على الرمال حتّى إلتصقت بوجهي المبلّل بالدمع.
ولمّا رفعت عيني رأيت طفلاً رائع الجمال ينظر إليّ بحنان ويقول :
“لا تخف، يا جون، أنا هو يسوع المسيح”.
فقلت :
“المجد لك، يا يسوع المسيح”
ثمّ رأيت جمع غفير من القدّيسين يحيطون به.
– أنت مبارَك، يا جون، فلقد صار لي عشرون سنة راهباً، ولم أرَ الربّ الإله ولا أحد من القدّيسين.
وفي اليوم عينه إعتمد جون على إسم الآب والإبن والروح القدس، ووهب كلّ ما يملك للدير، وقضى بقيّة حياته يكرز بإسم الربّ يسوع المسيح، صاحب الصحراء.
(منقول)
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}
تعليقات
إرسال تعليق
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}