في ذِكرَى إستقلالِ وطني لبنان: أَيَّ وَطَنٍ أريدُ وبِأَيِّ إستقلالٍ أَحلُمُ؟



[ في ذِكرَى إستقلالِ وطني لبنان: أَيَّ وَطَنٍ أريدُ وبِأَيِّ إستقلالٍ أَحلُمُ؟ ] 

أريدُ لبنانَ حُرًّا مُستَقِلًّا، لا تُجزِّئُهُ النَّعَراتُ الطَّائفيَّةُ، ولا يُضعِفُهُ انحِطاطُ القِيَمِ، ولا يُعَشعِشُ في ضَميرِهِ الفسادُ الأَخلاقيُّ، وَلا تَتَحَكَّمُ فيهِ المَصالحُ الشَّخصيَّةُ الضَيِّقَةُ على حِسابِ كَرامةِ الإنسانِ وازدِهارِهِ ونُمُوِّهِ وَخَيرِه.


ليسَتْ هذه الرَّغبَةُ وليدَةَ اللّحظَةِ الآنِيَةِ العابِرَةِ، كالحَبَّةِ الّتي ما إنْ نَبَتَتْ في تُربَةٍ لا عُمقَ فيها، حَتَّى احتَرَقَتْ وذَبُلَتْ عندَ شُروقِ شَمسٍ، إذ لا أَصْلَ لها؛ لَكنَّها وَليدةَ لَحَظاتٍ تِلوَ لَحَظاتٍ، وَسِنينَ تِلوَ سِنينَ كَوَّنَتْ في كِياني وأنا بَعدُ في حَشَا أُمِّي صورَةَ وَطَنِي: رَحِمِي الأَكبَر ومساحَتي الأَوسَع.

صُوَرٌ غَزَتْ أحاسيسي الجَنينيَّةِ باكِرًا، تَحمِلُ الكثيرَ مِنَ العُنفوانِ الَوَطَنِيّ والكرامَةِ والنِّضالِ الشَّهْمِ..؛ بِاختِصارٍ، تَحمِلُ التَّوقَ إلى الحُريَّةِ الحَقّ.

وإذا عُدْتُّ بالذَّاكرةِ إلى ما وراءِ الأيَّامِ الغابرَةِ، حَيثُما طبَعَتْنِي الحياةُ بأَحلامِها ومُغامَراتِها، وَجَدْتُّنِي وَلَدًا يافِعًا تَرَعرَعَ طِفلًا في أَحضانِ وطَنٍ تجَلَّتْ مَلامِحُهُ العُذريَّةُ في كَنَفِ قريَتي الجَبَليَّةِ الصّخريَّةِ، حيثُ عانَقَتْ هُناكَ عَينايَ جَمالَهُ للمَرَّةِ الأُولى، وحَيثُ رَضِعَتْ شفَتايَ مِن ثَدييهِ حَليبَ القُوَّةِ وَالكَرَمِ والعُنفوان.

وكَأنَّ المَلكوتَ المَوعودَ قَد أَتَاني؛ أَو كَأَنَّ تاريخَ البشريَّةِ أعادَنِي إلى مَوطِنِ جَدِّيَ الأَوَّلِ آدَمَ، إلى جَنَّةِ عَدْنٍ حيثُ تَشارَكَ واللهَ سُكْنَاهُما الأوَّل، والخَلقُ يُنشِدُ بِفَمِ جَمالِهِ أناشيدَ التَّسبيحِ والتآلُفِ والإِنْسِجام.



إنَّ وَطَني هُوَ آخَرُ عَنِّي لكِنِّي واحِدٌ مَعَهُ؛ مُستَقِلٌّ عَنهُ ومُنصَهِرٌ فيه في آنٍ.

إنَّهُ أنا الأكَبَرُ؛ إنَّهُ انتِمائِي، وثقافَتي، ونُمُوِّي، وَوَجَعِي، وصُراخِي، وَضَحِكِي، وَلَعِبي، وأَحلامِي، ومُغامَراتِي، وصَداقاتِي، وانتِظاراتِي، وخيباتُ أَمَلِي، ونجاحاتي..؛ إنَّه هُوِيَّتِي..؛ إنَّهُ أنا والآخَرينَ مَعًا.

وَطَنِي هُوَ السُّؤالُ الكِيانيُّ عَن المَعنى والحَقيقَةِ، وعَنِ الأَسبابِ والغاياتِ، عَنِ المَصيرِ والسَّعادَة..؛ إنَّهُ التَّوقُ الوِجدانيُّ إلى الحُريَّةِ المُحَلِّقَةِ في سَماءِ السَّماواتِ بانتِظارِ أَنْ تَغُطَّ في قُلوبِنا المُتَضَرِّعَة، وأَنْ تَلبَسَ جَسَدَنا فَتُلبِسَهُ طَبيعَتَها.

إنَّهُ ببساطَةٍ الإنسانُ صورَةُ الله، الّذي فيه يَتَجَلَّى حُبُّهُ ومَجدُهُ، وعَبرَهُ يَتأَلَّقُ الإنسانُ وَيَنتَصِر.

لِذا، وإنِّي مِن رَحِمِ المَخاضِ يُولِدُنِي الصِّراعُ إبنًا للحَياةِ، وَأخًا للإنسانِ كُلِّ إنسانِ، وصَديقًا للخَلقِ.

وعندما تَقطَعُ الحُريَّةُ حَبْلَ سُرَّةِ التَّبَعِيَّةِ للأقرَبينَ وللأَبعَدينَ، تَجعَلُنِي على مِثالِها.

فإذا بِجَنَاحَيْ الحُبِّ والأَلَم يَنمُوانِ، ويَحمِلانِنِي مُحَلِّقًا في سُحُبِ سَماءِ وَطَنِ الإنسانِ.



أَأَحلُمُ بِوَطَنٍ حُرٍّ؟

وَهَلْ مِن وَطَنٍ حُرٍّ مُستَقِلٍّ خارِجٍ عَن إنسانٍ حُرٍّ، حَرَّرَهُ “الحَقُّ” إبنًا للهِ على صورَتِهِ ومِثالِه؟ “حَقٌّ” مَصلوبٌ مائِتٌ طَوعًا، وقائِمٌ مُنتَصِرٌ لأنَّهُ الحياةُ بِذاتِها، لِيُحَرِّرَنَا مِنْ بَوتَقَةِ عُبودِيَّاتِنا عَلى أشكالِها، وَيَلِدَنا إخوَةً له في حِضنِ أبيهِ، فَنَسكُنَ مَعَهُ في بَيتِهِ الوالِديّ، بَيتِنا الحَقيقيّ، وَنَتَنَعَّمَ مِن خَيراتِ وَطَنِنا السَّماويّ.

(منقول)

عيد إستقلال مبارك على جميع اللبنانيين 
(خدّام الرب)


{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}


{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}

تعليقات