قدّيس اليوم :/الشهيد بونيفاسيوس الطرسوسي/



[ الشهيد بونيفاسيوس الطرسوسي ] 


في روما :

في بداية القرن الرابع عاشت شابة مسيحية جميلة من عائلة عريقة وغنية جدًا، تدعى أغلاي Aglae بروما في حياة مدللة، إذ كانت تحب اللَّهو والإسراف، وتهتم جدًا بالمظاهر حتى قيل إنها ثلاث مرات إستأجرت أناسًا يقيمون موكبًا لها عند دخولها المدينة.

كان لهذه الثرية وكيل أموالها يدعى بونيفاسيوس أو بونيفاس Boniface، أغرته الموكلة بحياتها المدللة حتى سقط معها في النجاسات وحياة الفساد، ومع هذا فقد اتسم بحبه الشديد للعطاء وترفقه بالفقراء.

لا نعرف سرّ توبة هذه الشابة، إنما رجعت إلى نفسها في يوم من الأيام وصارت تتأمل يوم الدينونة العظيم وبطلان الحياة الزمنية، فأشرق الله بنوره في قلبها لترى جسامة خطاياها ومرارة آثامها فتقدم توبة صادقة.

للحال باعت كل ثيابها الثمينة ووزعت الكثير من أموالها على الفقراء، وقررت أن تنفرد في بيتها لتعيش حياة نسكية مع تكريس وقتها للصلاة والتأمل، وقد تأثر بها وكيلها وسلك مثلها في حياة توبة صادقة.


ذهابه إلى الشرق :

كان المسيحيون في الغرب يعيشون في جوٍ من الراحة والسلام إذ كان قسطنطينوس كلوروس والد قسطنطين الكبير هو ملك الغرب، وكان إنسانًا محبًا للجميع مترفقًا بالمسيحيين، أما مسيحيو الشرق فكانوا يعانون الأمرين من الضيق بسبب غاليريوس مكسيميان ومكسيميانوس دايا.

طلبت أغلاي من وكيلها بونيفاسيوس أن يحمل بعض أموالها إلى الشرق، ليسند به الذين في السجون والمحتاجين بسبب الإضطهاد ، فتكون بهذا قد إشتركت في العطاء وإشباع إحتياجات القديسين، وسألته إن أمكن أن يأتي إليها بأحد أجساد الشهداء لتنال بركته وتبني له هيكلًا لائقًا به.

فرح بونيفاسيوس بهذه الإرسالية لكنه إذ عاش حياة التوبة الصادقة وإلتهب قلبه بمحبة مسيحه تاق لا أن يأتي بجسد شهيد وإنما أن يشارك الشهداء كرامتهم ببذل حياته مثلهم، لذا قال لموكلته :

"إنني لن أتراخى في إحضار رفات شهداء، لكن ما رأيك أن أحضر لكِ جسدي نفسه كجسد شهيد؟"

أجابته أغلاي :

"من كان مخطئًا مثلنا لا يستحق هذا الإكليل، فإننا غير أهلٍ أن نلمس أجساد الشهداء، فماذا لو قدمت جسدك للإستشهاد؟"

قبل أن يحمل بونيفاسيوس المال تهيأ للرحلة بالأصوام والصلوات، طالبًا إرشاد الله له ليؤهله لنوال مجد الشهادة، ثم إنطلق إلى طرسوس حيث كان والي مقاطعة كيليكية Cilicia يُدعى سيمبليسوس عُرف بعنفه الشديد.

إذ دخل المدينة وجد الوالي يجلس على كرسي الولاية وأمامه عشرون مسيحيًا، منهم من كانوا معلقين من أرجلهم والنيران متقدة عند رؤوسهم، وآخرون كان الجلادون يمزقون أجسادهم بأسنان حديدية، والبعض مسمرين على خشبة.

إقتحم بونيفاسيوس الموضع ليعلن إيمانه جهارًا أمام الوالي، وكان يقَّبل جراحات المسيحيين ويدهن وجهه من دمائهم التي تنزف منهم كدهنٍ طيبٍ ثمينٍ.

تعجب الوالي لجسارته وصار يهدده، أما هو فلم يبالِ، وإذ صار الجلادون يمزقون جسده كان يحتمل الآلام بفرح وبشاشة، مقدمًا ذبيحة شكر لله.

كان يطلب من رفقائه أن يصلوا من أجله، كما سألوه الصلاة عنهم.

وإذ رأت الجماهير هذا المنظر، خاصة فرح المؤمنين بالآلام أعلن كثير من الوثنيين الإيمان بالسيد المسيح وقاموا بإقتحام المعبد الوثني وهدموا المذبح، فخاف الوالي من قيام ثورة ضده.

أمر الوالي بإلقائه في قزان زيت مغلي، فإنشق القزان وسال الزيت على الجلادين، وأخيرًا ضُربت رقبته لينال إكليل الشهادة.

صلوا من أجلي
الخوري جان بيار الخوري



{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}


{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}

تعليقات