[ أسرار الحياة الثّانيّة…هذا ما أخبره الملاك للقديس مكاريوس الكبير ]
كان القدّيس مكاريوس الكبير (القرن الرابع م) ماشياً مرة في البريّة فقابلَ شخصاً له طلعةٌ ملائكيّة ونعمة فقال له :
– أراك يا ولدي وأعجَبُ منك. ألعلك لستَ بشراً؟
– أنا ملاكٌ، قال ذاك، وضرب مطّانيّةً أمام البار.
قد أتيتُ لكي أعلّمَك الأسرار الّتي لا تعرفها وترغبُ بمعرفتها.
– أخبرني يا ملاك الله.
هل يعرف البشر بعضهم بعضاً في الحياة الثّانيّة؟
– كما يعرفون بعضهم هنا فكذلك هناك.
إنّهم يفرحون مع بعضهم ويتحادثون ويسلّمون على بعضهم بعضاً ويطلبون أن يتعرّف أحدهم على الآخر.
ولكنّ هذا الحال يسري فقط على الأبرار.
– ماذا يحصل بعد خروج النّفس من الجسد؟ سأل القدّيس
– بعد ذلك، تأخذ الملائكة النّفسَ وتقودها إلى السّماء لكي تسجدَ للرّبّ.
من الأرض إلى السّماء يوجدُ سلَّمٌ غيرُ منظورٍ كبير جداً.
على كلّ درجةٍ يوجدُ مجموعةٌ من الشّياطين يُقال لها محطات التعشير.
وهي تريد أن تختطف النّفسَ ولهذا السّبب تُظهِر للملائكة أعمال النّفس الشّريرة مكتوبةً.
بالمقابل تُظهِر الملائكة أعمال النّفس الصّالحة.
ويقومون بوزن الأعمال ويدور بينهم جدال كبير.
إذا كانت الأعمال الصّالحة أكثر من السّيئة تتقدم النّفس إلى الدّرجة الأعلى.
وإذا كان العكس تأخذ الشّياطين النّفس إلى الجحيم.
ما يقاسيه الّذين في الجحيم من عذاب أَمْرٌ لا يمكن وصفه.
ولكن أيضاً ما يتمتع به الّذين يخلصون في السّماء أيضاً لا يمكن وصفه.
– لماذا تحصل الذكرانيّات للموتى وبأيّ شيء تنفع؟
– أما الذكرانيّات في اليوم الثّالث فتصير كمثل تقدمةٍ للرّبّ من أجل النّفس لأنّها وقتها لا تكون قد وصلت بعد إلى عرشه لتسجد له.
وبعد سجودها، تجلب الملائكةُ النّفسَ ثانيّةً إلى الأرض وتُظهِرُ لها الأماكن الّتي عاشت فيها وإقترفت فيها أفعالاً صالحة أو سيّئة.
ويستمر هذا الشّيء حتّى اليوم التّاسع حين تصعد النّفس ثانيةً لتسجد أمام عرش الله.
الذكرانيّات الّتي تحصل في اليوم التّاسع تُقدَّمُ لله لكي يقبلَ أن يتطلّع إلى النّفس بناظرٍ شفوق.
الذكرانيّات وأعمالُ الإحسان والقدّاديس تنفع النّفسَ كثيراً.
وهي تَقْدِرُ أن تخرجها من الجحيم، يكفي ألاّ تكون النّفسُ قد سقطت في خطايا ثقيلةٍ ومميتة.
بعد السّجود الثّاني للنّفسِ أمام الرّبّ تأخذُ الملائكةُ النّفسَ مرةً ثانية إلى العالم.
وبعد ذلك تُظهِرُ لها الفردوس والجحيم.
لا يوجد في الجحيم عذابٌ أسوأ من عذاب الزناة والسّارقين.
وعلى الأخص زنى الرّهبان أو الكهنة أو زوجة الكاهن الزانيّة.
في اليوم الأربعين، تقود الملائكة النّفس لكي تسجد للرّبّ مرةً أخرى.
وحينها يَصدُر القرار من الله المحبِ البشر وأين ستوضَع النّفسُ حتّى القيامة والدّينونة الأخيرة.
لهذا السّبب تُقام ذكرانيّةٌ في ذاك اليوم من أجل راحتها.
– هل يتمتّع الخاطئ بأيّ نوعٍ من الرّاحة؟ هل لعذاباته نهاية؟
– كلا، ملكوت الصّدّيقين لا نهاية له وجحيم الخطأة لا نهاية له.
– من هم القدّيسون الأكثر إشفاقاً على الإنسان لكي يتضرّع إليهم ويطلب شفاعتهم من أجله؟
– القدّيسون جميعاً متحنّنون.
ولكن أنتم البشر عادمو الشّكر وتحزنونهم.
بالإضافة إلى القدّيسين، الملائكة أيضاً يساعدون البشر.
ولكنّ السّيّدة والدّة الإله تفوق الكلّ بعنايتها بالجميع.
كان من الواجب على كلّ واحد منكم أن يكون اسمُها دوماً في فمه ويمجّدها.
بسبب شفاعاتها الخاصة وتوسلاتها لا يزال العالم موجوداً إلى الآن.
لقد ترك البشرُ الله والقدّيسين ولهذا السّبب ترك الله والقدّيسون البشر.
– أيّها الملاك القدّيس. أيّة خطيئة هي الأثقل؟
– كلّ خطيئة تفصل الإنسان عن الله.
ولكنّ الحقد والتجديف، فقط هاتان الإثنتان وحدهما، قادرتان أن تُحدِرا الإنسان إلى الجحيم.
– أيُّ الأهواء يمقتُ الله أكثر من بقيّة الأهواء؟
– الكبرياء. هذه دمّرت العالم.
بسببها نُفيَ آدم من الفردوس.
بسببها سقط لوسيفوروس.
إذا سقط الإنسان في هذا الهوى فبصعوبة ينهض.
– أيّ الموجودين في الجحيم يتعذّب أكثر من غيره؟
– قلتُ لك بأنّ الزناة والمجدّفين، وعلى الأخص الرّهبان والكهنة الزناة.
كذلك الّذين من بين هؤلاء قد تعدّى النّواميس الرّوحيّة وازدرى الأعمال الرّوحيّة مفضّلاً الإهتمام بالإهتمامات المعيشيّة.
الكهنة الّذين يقيمون قدّاساً إلهيّاً واحداً بدون إستحقاق سوف يعطون لله جواباً عنه.
الويل للكهنة الّذين يسكرون!
– وماذا يحصل للّذين يزدرون يوم الأحد المقدّس؟
– الويل لهم! تنتظرهم جحيمُ مؤلمة.
الّذي يزدري هذا اليوم المقدّس يزدري بالرّب ذاته، ولكنّ الرّبّ سيزدري شخصاً كهذا بدوره.
يوم الأحد هو مخصّص للرّبّ.
والّذي يكرّمه يكرّم الرّبّ، والّذي لا يكرّمه لن يرى وجه الله وليس لديه رجاءٌ بالخلاص.
– قل لي أرجوك أيّة صلاة تناسب الرّهبان أكثر من غيرها؟
– إذا كان متعلّماً تناسبه مزامير داود.
وإذا لم يكن كذلك تناسبه صلاة “يا ربي يسوعُ المسيح، ابنُ الله، ارحمني أنا الخاطئ”.
هذه الصّلاة هي الأقوى.
كثير من الدّارسين تركوا بقيّة الصّلوات وأبقوا لنفسهم صلاة يسوع هذه فقط وخلصوا.
إذ يستطيع أن يمارس هذه الصّلاة الرّجال، النّساء، الأولاد، الرّهبان، المتعلّمون والأميّون، المختبرون وعادمو الخبرة.
الشّخص الّذي يريد أن يخلص، فليكرّرها نهاراً وليلاً، في قلايته، في الطّريق، سواء كان جالسّاً أو مزاولاً عملاً ما، وليتفوّه بها بتوقٍ ونباهة لأنّها قادرةٌ أن تساعد كلّ إنسان من أجل خلاصه.
– الآن أعطني رجاءً جواباً على هذا السؤال : إذا كان هناك إنسانٌ خاطئٌ ما قاد إنساناً آخر إلى التّوبة هل يكون له أجرٌ على هذا؟
– الشّخص الّذي يقود خاطئاً إلى الدّرب الصّحيح يساعد نفسه أيضاً.
ولكن إذا إقتاده إلى الشّرّ فهو يسقط في خطيئة أثقل.
– أيّها الملاك القدّيس، هل سيوجد أناسٌ قدّيسون حتّى نهاية العالم؟
– لن ينقطع الأبرار والأنبياء أبداً ولا فَعَلة الشّيطان أيضاً.
على كلّ حال في الأزمنة الأخيرة جميع الّذين سيخدمون المسيح بصدقٍ، حتّى لو لم يجترحوا الآيات والعظائم، بل يسيرون على درب الفضيلة العملي بتواضع، فهؤلاء سوف يَظهرون في ملكوت السّموات أعلى من الّذين إجترحوا العجائب.
لأنّه في الأزمنة الأخيرة لن يشاهد المؤمنون شخصاً مؤمناً يصنع عجيبةً بحيث تتّقد غيرتهم في الجّهاد الرّوحي.
على العكس، الرّعاة والرّؤساء في العالم كلّه لن تكون لهم علاقةٌ بالفضيلة نهائياً.
تفوّه الملاك بهذه الأمور وإختفى.
المصدر :
الأب يوحنّا بدّور (٢٠٠٩)، ظهورات وعجائب ملائكيّة، مكتبة البشارة بانياس
– صفحة أشياء تجهلها عن المسيحية الأرثوذكسية.
(منقول)
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}
تعليقات
إرسال تعليق
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}