عيد رأس السنة هوَ عيدٌ مثلَّثُ الوجوه



[ عيد رأس السنة هوَ عيدٌ مثلَّثُ الوجوه ] 



مدَنيًّا هو إفتتاحُ السنة الجديدة بحسب التقويم الغريغوري المعتَمَد عالميًّا، يأخُذُ طابعًا إحتفاليًا كونَهُ يوم عطلة مدنيّة، كما إنّه يستمدُّ وهجَهُ من وهجِ عيدِ الميلاد “المَدَنيّ” الّذي يسبقُهُ بأسبوع واحد، فيبدو العيدان وكأنّهُما حلقتان من مسلسلٍ واحد.

معظم شعوب العالم تحتفلُ بهذا العيد منذ أواخر القرن التاسع عشر عندما تبنّت هذه الشعوب التقويم الغريغوريّ كتقويمٍ عالميّ، مع إحتفاظ كلّ شعبٍ بتقويمه الخاصّ (التقويم اليولياني، التقويم القبطي، التقويم اليهودي، التقويم الصيني، التقويم الهجري…

يَكادُ هذا الوجهُ لرأسِ السنَةِ يطمِسُ الوَجهَينِ الآخرين، فحتّى المسيحيّونَ الملتَزِمون، يكادونَ يَسهَوْنَ عنِ الوَجهَينِ الآخرَين، تَحتَ وابِلِ الإحتفالات والمهرجانات والمآكلِ والمشارب الّتي تملأ البيوتَ والمسارح والملاهي والمَطاعِم على إتّساع المعمورة.

في لبنان، يشكّل هذا الموسم تجاريًّا حوالي ثلث الحركة التجاريّة للسنة الواحدة.

فإذًا يَطغى الإحتفال بالإنتقال من سنة إلى سنة جديدة على الوجهينِ الآخرين لهذا اليوم.

لذلك لا بدَّ من التذكير بأهمّيّة هذا اليوم على المستوى الدينيّ والإنسانيّ، لا سيّما للأشخاص الّذينَ ما زالوا يرغبونَ في الحفاظِ على الأبعاد الروحيّة والإنسانيّة للأعياد.

رأس السنة في الليتورجيا المسيحيّة يصادِفُ يومَ ختانة يسوع، أي عندَما يكرّس هذا الطفل لله، بصفته منتميًا إلى الشعب اليهوديّ.

والختانة علامة جسديّة أمرت بها شريعة موسى.

في هذا اليوم بحسب التقليد اليَهودي يعطى الطفلُ المختونُ إسمًا.

في هذا اليوم تمّت ختانة إبنِ مَريِم وأعطيَ إسم “إيشوع” (ويترجم إلى يشوع ويسوع وجيزو وجيسوس وغيرها من الأسماء، وكلّها ترجمات لفظيّة للإسم إيشوع).


وللإسم في التقليد اليهودي، لا كما في أيّامنا، دلالاتٌ ومعانٍ.

هذا ما أوضحَهُ الملاك ليوسف في الحلم :

“يا يُوسُفَ ابنَ داود، لا تَخَفْ أَن تَأتِيَ بِامرَأَتِكَ مَريمَ إِلى بَيتِكَ. فإِنَّ الَّذي كُوِّنَ فيها هوَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وستَلِدُ ابناً فسَمِّهِ إيشوع، لأَنَّه هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم”
(مت ١: ٢٠-٢١).

لقد أوضح الملاك ليوسف سرّ المسيح من خلال الإسم.

فكما كان إسم موشِا الّذي حرّر الشعب من عبوديّة مصر يعني المخلّص، كذلك إسم إيشوع الّذي سيحرّر الشعب من عبوديّة الخطيئة يعني ألله يخلّص.

إذًا، بالنسبةِ إلى المسيحيّين المؤمنين، هذا اليومُ هو عيدُ اسم فادينا ومخلّصنا،

هو اليوم الّذي أعلنَ فيهِ ابنُ الله ابنُ مَرْيَمَ مخلّصًا للجنسِ البشريّ عبرَ الاسم الّذي أعطيهِ “إيشوع”.


إنسانيًّا، في العام ١٨٦٧ أعلن البابا بولس السادس يوم رأس السنة يومَ السلام العالميّ الّذي تلتزم فيهِ كلّ الشعوب وقفَ الأعمالِ الحربيّة إفساحًا للمجال أمام ذوي النوايا الحسنة لحلّ النزاعات سلميًّا ووقف نزيف الدمّ.

للأسف يختلف الواقع عمّا تريده الكنيسة : فالحروب تُحرِقُ آمال البشر في الشرق والغرب، حروب بالحديد والنار وحروب بالإقتصاد والدولار يدفعُ ثمنُها الشعب الكادِح.

تتحوّل لليلة رأس السنة في كثير من العائلات إلى مآتم بسبب حوادث السير المميتة الّتي يسبّبها السهر والشرب والتخمة، فيتحوّل الضحك بكاءًا مرًّا، الأمل يأسًا، والمتعة ضيقًا.

في هذا اليوم، لا بدّ لنا، نحنُ المؤمنين، من التحلّي بالإعتدال فنعطيَ كلّ وجه من وجوه هذا العيدِ حقّه.

فإذا إجتمعنا للإحتفال بمطلِع السنة الجديدة فلنذكرَنّ أيضًا أنّنا مدعوّون إلى السعيِ إلى السلام بإسم مخلّصنا إيشوع (يسوع)  المسيح رئيس السلام.

له المجدُ إلى الأبد. آمــــــــــــين.

(منقول)



{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}


{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}

تعليقات