أشرقت أنواره على جبال قورش شمال سورية، فهدَت إلى الحق، يوم كانت البِدَع تعيث فسادًا في تلك الأنحاء



[ من هو القديس مارون ] 


أشرقت أنواره على جبال قورش شمال سورية، فهدَت إلى الحق، يوم كانت البِدَع تعيث فسادًا في تلك الأنحاء.

أبو الطائفة المارونيّة ورافع لواء إيمانها وأمجادها مدى الأجيال.

إنّ العلّامة المؤرِّخ الشهير تيودوريطوس اسقف قورش في كتابه “تاريخ الرهبان والنّسّاك”، يأتي على أعمال المتنسّكين العِظام، وفي طليعتهم “مارون الإلهيّ” كما يسمّيه.

“لقد زيّن مارون، يقول المؤرّخ، طغمة القديسين المتوشّحين بالله ومارس ضروب التقشّفات والأماتات تحت جو السماء، دون سقف سوى خيمة صغيرة لم يكن يستظلّها إلاّ نادرًا.

“وكان هناك هيكل وثنيّ قديم، فكرّسه مارون، كما يقول تيودوريطس، وخصّصه بعبادة الإله الواحد، يحيي الليالي بذكر الله وإطالة الركوع والسجود والتأملات في الكمالات الإلهيّة، ثم ينصرف إلى الوعظ وإرشاد الزائرين وتعزية المصابين.

“كل هذا لم يكتفِ به مارون، يضيف المؤرخ، بل كان يزيد عليه ما ابتكرته حكمته جمعًا لغنى الحكمة الكاملة، لأنّ المجاهد يوازن بين النعمة والأعمال فيكون جزاء المحارب على قياس عمله. وبما أنّ الله غني كثير الإحسان إلى قديسيه منحه موهبة الشفاء فذاع صيته في الآفاق كلها فتقاطر إليه الناس من كل جانب.

وكان جميعهم قد علموا أن ما اشتهر عنه من الفضائل والعجائب هو صحيح وبالحقيقة كانت الحمّى قد خمدت من ندى بركته والابالسة قد أخذوا في الهرب والمرضى كلهم بَرئوا بدواء واحد هو صلاة القديس، لأنّ الأطباء جعلوا لكل داء دواء، غير أنّ صلاة الأولياء هي دواء شاف من جميع الأمراض”.

ولم يقتصر القديس مارون على شفاء أمراض الجسد بل كان يبرىء أيضًا أمراض النفس.

ويختتم الأسقف الكبير بقوله :

“والحاصل أن القديس مارون أنمى بالتهذيب جملة نباتات للحكمة السماويّة وغرس الله هذا البستان فازدهر في كل نواحي القورشيّة”.

إعتزل مارون الناسك الشهرة واختلى على قمّة جبل، فشهرته أعماله التقويّة وانتشر عرف قداسته. والقديس يوحنا فم الذهب ذكره في منفاه وكتب إليه تلك الرسالة النفسيّة تحت عدد 36، العابقة بما كان بين الرجلين من محبّة روحيّة واحترام وأخوّة في المسيح، قال :

“إلى مارون الكاهن الناسك. إنّ رباطات المودّة والصداقة التي تشدّنا إليك، تمثلك نصب عينينا كأنك حاضر لدينا، لأنّ عيون المحبة تخرق من طبعها الأبعاد ولا يضعفها طول الزمان. وكنا نودّ أن نكاتبك بكثرة لولا بُعد الشقَّة وندرة المسافرين إلى نواحيكم. والإن فإنّا نهدي إليك أطيب التحيّات ونحب أن تكون على يقين من أنّنا لا نفتر عن ذكرك أينما كنّا، لما لك في ضميرنا من المنزلة الرفيعة. فلا تضنَّ أنت أيضًا علينا بأنباء سلامتك، فإنّ أخبار صحتك تولينا، على البعد أجل سرور وتعزية في غربتنا وعزلتنا فتطيب نفسنا كثيرًا، إذ نعلم أنّك في عافية. وجلَّ ما نسألك أن تصلّي إلى الله من أجلنا”.

(في مجموعة مين للآباء اليونان مجلّد ٧٢ عمود ٦٣).


ما إنتشرت سمعة الكاهن مارون الناسك حتى تكاثر عدد الرهبان حوله فأقامهم أولاً في مناسك وصوامع على الطريقة الإنفراديّة، بحسب عادة تلك الأيّام، ثم أنشأ أديارًا وسنَّ لهم قانونًا وقام يرشدهم في طريق الكمال.

وتعدَّدت تلك الأديار المارونيّة ولا سيّما في شمالي سورية، حتى أن تيودوريطس يغتبط بوجودها في أبرشيته.

وكانت وفاة مار مارون في السنة الأربع مئة والعشر.

مات القديس مارون متنسّكًا عفيفًا، ولكنّه لم يمت حتى رأينا أبناءه الروحيّين المشرَّفين باسمه، ينتشرون الوفا تحت كل كوكب.

غير أن المارونيّة تركز كيانها في لبنان وفيه بسقت دوحتها وامتدت أغصانها إلى أنحاء الدنيا.

وما زال أبناؤها، مغتربين ومقيمين، يستشفعون كل حين، أباهم القديس مارون، صارخين إليه :

بإسمك دعينا يا أبان وعليك وطّدنا رجانا
كُن في الضيقات ملجانا واختم بالخير مسعانا


نقلاً عن كتاب “السَنكِسار” بحسب طقس الكنيسة الإنطاكيّة المارونيّة.

(منقول - موقع أليتيا)



{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}


{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}

تعليقات