✝️ عيد الرحمة الإلهيّة ✝️


يُحتفل بعيد الرحمة الإلهيّة في الأحد الثاني بعد الفصح ويطلق عليه أيضاً الأحد الجديد، أو أحد توما.

عيد الرحمة الإلهيّة هو إحدى رغبات المسيح التي أظهرها بنفسه عند ظهوره للقديسة فوستينا عام ١٩٣١، فطلب منها أن يؤسس هذا العيد ويحتفل به.

قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إعترف به كعيد رسمي للكنيسة بواسطة مجمع الليتورجيات ونظام الأسرار في ٥ أيّار - مايو ٢٠٠٠.

ليست صدفة أن يُحتفل بهذا العيد في هذا الأحد ، إذ أنّ معظم الطقوس الشرقية الكاثوليكية تَعلن فيه إنجيل ظهور المسيح للرسل ولتوما (يو ٢٠: ١٩- ٣١).

فالإنجيل في هذا الأحد هو بالفعل إحتفال برحمة الرب، ليس فقط لأن الرب لم يتشكك من عدم إيمان توما فظهر له من جديد كي يجعله يؤمن به، أو لأن الرب رحم توما ولم يحاسبه على عدم إيمانه ، بل لأن يسوع المسيح في هذا الإنجيل يرحم بالفعل الجميع.

كيف؟

فالرحمة، وكما ذكرنا في مقالات أخرى، ليست فقط نسيان ما حدث، أو التغاضي عن شىء تم وعدم ذكره من جديد أو عدم المعاقبة عليه، إنما الرحمة بالعبرية كما بالعربية من أصل “رَحِم” أي أحشاء الأمّ، حيث يتكون الجنين؛ خليقة جديدة.

فالرّحمة هي إمكانية ولادة جديدة، خلق جديد.

خلق جديد يسمح للشّخص بأن يحيا بطريقة جديدة ومختلفة عمّا كان من قبل.

خلق جديد وليس تعديل في الإنسان.

خلق جديد وليس ببساطة تحسين سلوك أو تصرفات أو طبع الإنسان.

خلق جديد بروح جديد وطبيعة جديدة.

يسوع المسيح عند ظهوره لتلاميذه نفخ فيهم وقال :

“خذوا الروح القدس. من غفرتم لهم خطاياهم تغفر لهم، ومن امسكتم عليهم الغفران يمسك عليهم”

(يو ٢٠: ٢٢- ٢٣)

تلك النفخة هي نفس الفعل الذي فعله الله الآب عندما خلق الإنسان :

“وجبل الرب الإله الإنسان تراباً من الأرض ونفخ في أنفِه نسمة حياة، فصار الإنسان نفساً حيَّة”
(تك ٢: ٧)

أي أنّ نفخة الله هي التي جعلت من هذا التراب إنساناً ، جعلت منه نفساً حية.

وهنا المسيح ينفخ في تلاميذه.

يخلقهم من جديد.

لا يخلقهم لكي يصبحوا أنفساً حية، لأنهم بالفعل كذلك بل يخلقهم كي يصبحوا شركاء للطبيعة الإلهيّة ، شركاء للقيامة، أبناء الله.

المسيح ينفخ فيهم روحه، روح قيامته.

وهذا الروح سيجعل منهم أبناء الله، شركاء للمسيح في الميراث؛ في القيامة، في هذه الطبيعة الإلهيّة.

يجعل منهم كنيسة لها سلطان لمغفرة الخطايا؛ مغفرة لكل إنسان يعترف بخطيئته ويقبل تلك الرحمة، تلك الخليقة الجديدة.

هذه المغفرة بلا شك تُنال في سر الإعتراف المقدس على أيدي من نالوا سر الكهنوت.

هذه المغفرة يحصل عليها التائب كي تُمحى له خطيئته، وأيضاً كي تجعله قادراً أن يأخذ على نفسه خطايا الآخرين أي أن لا يقاوم الشر بالشر فتجعل من الإنسان مسيح أخر.

وبعد ذلك يقول المسيح لتوما :

”هَاتَ أصبعك إلى هنا فأنظر يدي، وهات يدك فضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمنٍ بل كن مومناً”
(يو ٢٠: ٢٧)

يسوع المسيح يستمر في الرحمة، في الخلق الجديد.

والآن يخلق الإيمان ؛ يجعل من توما مؤمنا.

يقول له : ”كن مومناً”.

هذا الأمر هو أمر خلق للإيمان في توما.

كما قال الله في البدء : ”فليكن نور”، فكان نور.

الإيمان هو عطية مجانيّة من الله يتقبلها الإنسان بحريّة.

هو عطيّة إلهيّة، خليقة جديدة، والإنسان إمّا أن يقبلها أو يرفضها.

مثلها مثل المغفرة، مثل الرحمة. فيقول المسيح لتوما “كن مومناً” فيؤمن توما ويرد على منحة الخليقة الجديدة المعروضة عليه من الرب ويقول : “ربي والهي”.

تلك هي الرحمة الحقيقية، لا تغفر فقط عدم الإيمان ، بل تخلق في الإنسان ، الذي يرغب، الإيمان ؛ الإيمان بقيامة المسيح وبالتالي بقيامته هو أيضاً.

هذا هو الأحد الجديد فيه يخلق المسيح الإنسان من جديد.

إنسان مشارك في طبيعة الله.

هذا هو الأحد الجديد فيه يخلق المسيح، أي يرحم بمعنى الكلمة، فلا يمحي فقط الخطايا لأبناء كنيسته بل يعطي سلطاناً للكنيسة لتمحي خطايا الآخرين وترحمهم من جديد.

هذا هو الأحد الجديد عيد الرحمة الإلهيّة ، هذه الرحمة التي لا تتوقف عن الخلق الجديد.

عيد مبارك 🕯️🙏🏼🌹🕯️❤️

(خدّام الرب - صلوا لأجلنا)



{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}


{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}

تعليقات