في المصائب والخوف والألم والمرض يتذكّر الإنسان الله، ليس بالحبّ وإنما باللّوم.
لماذا يا الله فعلت ذلك؟ لماذا جعلتنا ننمرض؟ لماذا ولماذا ولماذا …؟؟؟
ولا يسأل نفسه لماذا أدار ظهره لله، ولماذا تعجرف على الله، ولماذا قام بأمور كثيرة من شأنها أن تمزّق قلب الله وتهينه.
الإنسان المحبوب بادل الرّب المُحبّ بالحروب والدمار وزهق الأرواح وتنصيب نفسه إلهًا يقرّر تحديد النّسل والتخفيف من أعداد البشر، وإحتكار الخيرات، ودوس كرامة الإنسان، والحضّ على الإنتحار واليأس، والترويج للموضة الفاضحة التي لا تحترم جسد الإنسان ولا قِيَمَهُ ولا روحه.
بادله الحبّ بأن حوّل بيته إلى متاحف ومطاعم ومسارح وأماكن لهو وفسق.
وبدل أن يخلق حوار حبّ معه بالصلاة والعبادة، خلق أوثانًا تكنولوجيّة وماديّة وبدعًا شيطانيّة وراح يعبدها راميًا الخالق باللامبالاة والإحتقار.
بادله بالحريّة الجنسيّة وتشريع المثليّة وزواج المثليين، ومهاجمة العائلة التي أسّسها الله لتشاركه بالخلق.
بادل صانع الحياة بقتل الحياة في الرحم، وتدمير الخليقة التي أوجدها من أجل خير وخدمة البشر.
بادله بالممارسات الجنسيّة العشوائيّة حيث تفوّق على الحيوان الذي لا يخرج عن طور الطبيعة والمسار الذي وضعه له الله.
بادله بنكرانه وبالإتّكال على ذاته وعلى المظهر الخادع.
بادله بسرقة الطفولة والتعدّي على الأطفال وحرمانهم من العيش بأمان وإيمان وحبّ، وبجعل المراهقين عبيدًا لشاشة وآلة تكنولوجية ومنّصة إجتماعية وبإعتناق الوقاحة والغرور.
بادله الحبّ بالترويج للأنانيّة واللّهو والتذمّر بدلًا عن الصلاة والشكر والعطاء والتواضع.
حتى في ظلّ الوباء، الذي هو من إختراع البشر وليس الله، بقي الإنسان متعجرفًا يلوم الله أو لا يتذكّره، حتى أنه لم يلتزم بالمسؤولية والحجر المنزلي لحماية نفسه والآخرين وإنما أكمل إستهتارًا وتعجرفًا.
لكن في خضمِّ هذا الخطر، يبقى الله حاضرًا وعينه ساهرة على أبنائه وعلى من يتّكل عليه ويلجأ إليه.
إله الخير لا يرسل “الضربات”، ولا يلعن، ولا يقتل، ولا يُعاقب، لكنه يسمح بالتأديب وذلك لأنه محبّ وحنون ورؤوف وشفوق، يؤدّبنا كما يؤدّب الأب أولاده حبًّا بهم وليس إنتقامًا منهم؛ يؤدّبهم كي ينجّيهم.
الله يحترم إرادتنا ولا يتدخّل إلا بطلب منّا، ولأنه يحبّنا يسمح بما يذكّرنا وينبّهنا إلى ضياعنا وغرورنا وعصياننا والخطر الذي نضع أنفسنا فيه.
كما يغار المحبّ على حبيبه، هكذا يغار الله على البشر ويحزن عندما يبتعدون عنه، هم “خاصّته وصنع يديه”، هو الذي بذل ذاته من أجلهم.
أيّ قلب لا ينزف عندما يُطعن، وأيّ قلب لا يذوب شوقًا وألمًا إذا ما إبتعد عنه حبيبه أو بادله الحبّ بالإستهزاء والإستهتار والبرودة؟!
زمن الكورونا هو زمن مرض وقلق، لكنه أيضًا زمن شفاء إن نظرنا إليه بعين الإيمان والوعي.
لقد أجبرنا هذا العدّو غير المرئي أن نخاف على حياتنا وأن نتخلّى عن عاداتنا اليوميّة وأن نلزم منازلنا.
هو مشكور على هذا.
لماذ؟ لأنه أعطانا فرصة إلى الرجوع إلى الذات وجعل هذا الوقت وقتًا للإبتعاد عن ضجيج العالم والتخلّي عن بهرجته الكاذبة.
جعل هذا الوقت وقت وقفة أمام الذات ومراجعة الحسابات وجردة لحياتي كفرد.
أعطاني فرصة للعودة إلى الكلمة الحيّة والإفراط بقراءتها وعيشها وفهمها بدل إستهلاكنا المفرط للطعام والملبس ومنصّات التواصل الإجتماعي والأراكيل والكلام السخيف غير البنّاء والإيمان المبنيّ على العواطف المهترئة والفكر الشعبوي وقلّة الوعي والثقافة الدينيّة.
منحني وقتًا هادئًا والصلاة.
هو تذكير لنا بأهمية أحبائنا وبأنه وقت للصلاة معًا كعائلة.
لذلك هذا الوجود القسري في المنزل هو وقت نعمة شفاء.
هو وقت عودة إلى القراءة والثقافة.
هو فرصة للإنسان للتعرّف على ذاته وقدراته.
هو وقت لإعادة أواصر الصداقة والإيمان والحبّ مع الحبّ الأعظم، مع خالقنا المُغرم بنا.
الله قادر أن يجعل من الشرّ الذي يصنعه الإنسان خيرًا لأنه يحبّ الإنسان ويريد خيره وصالحه.
بالسماح بهذا الوباء نجّى الله البشر من كوارث أعظم بكثير.
من هنا هو زمن شفاء وليس زمن مرض.
شفاء من اللامبالاة والإستهلاك المفرط، شفاء من الضَجيج والعيش خارج الذات.
هو شفاء من التجنّي على الطبيعة والمساهمة بالتغيّر المناخي.
فالبلدان كافة أعلنت حالة الطوارئ وإلتزمت بتطبيق الحجر الصحّي المنزلي.
لا سيارات في الطرقات، ولا طائرات في الجوّ، ولا إزدحام في محلات الثياب والأحذية والمطاعم وغيرها من الأمكان التي يتهافت عليها الفرد في حياته اليوميّة.
كما أصبح السفر شبه معدوم وتدنّى مستوى التلوّث الناتج عن السيارات والطائرات.
تدخّل عندما إستفحل إستهتار الإنسان ولامبالاته.
زمن الكورونا هو زمن ثورة إيمان.
بعد خروجنا من هذه المحنة هل سيتذكّر الإنسان أنه ضعيف ومغرور وليس له ملجأ إلّا الله الأب الحنون الرّحوم؟
هل سيكمل مساره المسيء إلى إلهه؟
هل سيتخلّى عن عجرفته ويعود إلى أبيه السماوي تائبًا وطالبًا الرّحمة؟
هل سيخرج قويّا منتصرًا أم ضعيفًا مهزومًا؟
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}
تعليقات
إرسال تعليق
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}