إيمانُنا بمريم إيمان الكنيسة والتقليد المقدّس، إيمانٌ غذّاهُ ونمّاه وحيُ الروحِ القُدُس الّذي يرافقُ الكنيسة في سعيها إلى بلوغ ملء قامة المسيح.
من صلّى إلى مريَم صلّى بالفعل ذاتِه إلى المسيح، لأنّ مريم قد طابقَت إرادتَها ومشيئتَها على إرادة الله عندما أجابت الملاك :
“أنا أمة للربّ، فليكن لي بحسب قولك”.
هي، بشهادة الأناجيل، لم تُشارِك وحسبُ من خلال المشيئة والقبول، بل أيضًا لَقد شاركت فعليًّا في سرّ الفداء كما تنبّأ سمعان الشيخ يوم تقدمة الطفل المسيح إلى الهيكل :
”وأَنتِ سيَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ لِتَنكَشِفَ الأَفكارُ عَن قُلوبٍ كثيرة”.
وهذه النبوءة تحقّقت عندَما تبِعَت مريمُ وحيدَها حتّى الجُلجُلَةِ والصلبِ والموتِ والدفنةِ، فإستحقّت هذا اللقب العظيم “شريكة الفداء”.
في هذا الدور، كشريكة في الفداء، تنوب مريم العذراء عن كلّ البشريّة في التكفير عن سقطة العصيان الّتي إرتكبها أبوانا الأوّلان.
فمريَم الّتي وُلِدت، بنعمة إلهيّة خاصّة، من والدَيها، بريئة من كلّ عيب، صارت بطاعتِها الكاملة حوّاء الجديدة أمّ الخليقة الجديدة عوضًا عن حوّاء الأولى الّتي وُلِدَت بلا عيب ولكنّها سقطت في المعصيّة.
حوّاء الأولى أصغت إلى الحيّة فإنقطعت عن شركة الله.
مريم حوّاء الجديدة أصغت إلى الملاك فصارت شريكة لله.
عبر مريم تمرّ جميع نعم المسيح :
ليسَ الأمرُ مجرّد عواطف جيّاشة نحوَ مَريَم كونَها تمثّل البعد الأموميّ، وليسَ مجرّد استعارات أمجازات شعريّة.
هذا واقعٌ خلاصيّ :
كلّ مسيحيٌّ يؤمنُ أنّ المسيح ابنُ الله وكلمته هو مصدر الحياة والنِعَم كلِّها.
وهذا المسيح نَفسُهُ، لكي يصير واحدًا منّا ليُشركَ طبيعتَنا بطبيعته فيأخذ ما لنا ويهَبنا ما له، إختارَ أن يتجسّد بواسطة مَريَم، فحلّ في بطنِها تسعة أشهُرٍ وولدَ منها إلهًا كاملًا وإنسانًا كاملًا.
بذات الفعل أصبحت مريم، بمشيئة الله، أمَّ الإله المتجسّد يسوع المسيح مصدر كلّ حياة ونعمة.
بالتالي نَفهَم أن كلّ عطايا المسيح قد بلَغت إلينا عبر مريم بمشيئة الله ومشاركة مريم المطيعة المؤمنة.
إنّ أمومة مريَم للمسيح الإله لم تُقتَصر على بضع سنوات من حياتِها الأرضيّة، بل هيَ صفة تلازِمُها من لحظة حبلها البتوليّ :
“ألسلام عليك يا مملوءة نعمة، الربُّ معكِ”.
“من أينَ لي أن تأتيَ إليّ أمّ ربّي”؟
وهنا لا بدَّ من التذكير أنّ يوحنّا قد نال موهبَةَ الروح فإرتكضَ فرحًا في حشا مريم ما إنِ التَقَت مريَم بإليصابات.
وإذا كانَ المسيحُ، وهو بحرُ النِعمَةَ، قد حلّ بينَنا بواسطة مريم، وإذا كانَت مَريَم هي أمُّ المسيح الإله حتّى منتَهى الدُهور، فهيَ، بالتالي، تستمرُّ، حتّى منتهى الدهور، الأمَّ الّتي عبرَها يبلُغُ إلينا المسيحُ مشحونًا بالحياة والعطايا والنِعَم.
وإذا كانَ اللهُ نفسُهُ قد شاء أن تكونَ مريمُ هي واسطةَ المسيحِ إلينا، المسيحِ الّذي “مِن مِلْئِه نِلْنا بِأَجمَعِنا وقَد نِلْنا نِعمَةً على نِعمَة”، فبأيِّ حقٍّ وأيٍّ سلطانٍ نتنكّرُ لهذا الامتياز الإلهيّ الّذي أعطاه الله لمريَم لكي يكونَ للبشريّة، من خلالِها، شراكةٌ في التكفير عن عصيانِها الأوّل.
نعم، مريَم هي واسطة كلّ نِعَمِ المسيح لبني البشر!
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}
تعليقات
إرسال تعليق
{نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات.}
{إنّ التعليقات المنشورة لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي مواقع "خدام الرب" التي لا تتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة إطلاقًا من جرّائها.}